الزراعة في ميزان الاسلام

الزراعة مهنة من أجلِّ المهن، وآية من آيات الله، وسبيل لترسيخ الإيمان في القلوب، ودليل على وحدانية الله عز وجل؛ يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ [الواقعة: 63، 64].

• اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله: يقول عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99].

• تعدد أنواع الزرع آية من آيات الله: فهذا حَب، وهذا ثمر، وهذا زهر، وهذا عشب، وهذه فاكهة وهذه خضر، وهذا معروش، وهذا غير معروش: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 – 32].

الزرع والكلمة والزرع والإنفاق: ما أشبه الكلمة بالزرع، وما أشبه الإنفاق بالزرع، هذا مثل يضربه الله عز وجل للكلمة طيبة أو خبيثة: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [إبراهيم 24-26]، ومثل آخر للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة 261]، فتدبر العلاقة بين الكلمة والزرع وبين الإنفاق في سبيل الله والزرع.

• الزرع دليل حي على زوال الدنيا: قال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].

• إن هذا المثل يضربه الله عز وجل للإنسان في الدنيا يبدأ الإنسان ضعيفًا، ثم يشتد عوده ويصل إلى مرحلة الشباب ويظن الشاب أنه سيعيش أبدًا، وأنه يستطيع أن يفعل كذا وكذا، وهذا قول الله عز وجل: ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ [يونس: 24]، ثم يصل الإنسان إلى الشيخوخة ويكبر ويَعجِز، ويصير كالزرع الذي اصفرَّ ثم صار حصيدًا؛ أي: كأن الإنسان لم يعش في هذه الدنيا إلا ساعة، إنه الموت؛ قال الشاعر:

زهرة الدنيا وإن أينعت * * * * *  لابد أن تسقى بماء الزوال

النخلة والمسلم

النخلة والمسلم كلاهما يعطي أكثر مما يأخذ -والإيمان ثابت في قلب المسلم وهكذا النخلة ثابتة -والمسلم مترفع عن الصغائر، وهكذا النخلة سامقة في السماء، والنخلة تُرمى بالحجر فتُلقي الثمر، وهكذا المسلم يرد على السيئة بالحسنة، ويدفع بالتي هي أحسن.

• روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ، “فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ”.

الزراعة وفرائض الله

الزراعة لها علاقة وثيقة بفرائض الله وبذكر الله عز وجل:

• الزرع يسبح الله ويذكره قال تعالى في سورة الإسراء:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾.

الزرع يصلي: قال عز وجل في سورة الرحمن : ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن 6].

الزرع فيه زكاة  قال الله في  سورة الأنعام: ﴿ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام 141].

الزرع فيه صوم وامتناع : فكما يمتنع المسلم الصائم عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، كذلك على الزارع أن يمتنع عن زرع الخبيث من الزراعات كالبانجو والأفيون والخشخاش وغيرها، ومن فعل ذلك فقد بدَّل نعمة الله:  قال تعالى في سورة البقرة ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة 211].

علاقة الزرع بالحج: حيث يحرم على الحاج أن يقتلع شيئًا من زرع مكة، روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ”.

الزرع ومدرسة الأخلاق

تعلمنا الزراعة مجموعة من مكارم الأخلاق؛ منها:

الأمانة: ففي يد المزارع أمانة هي قوام الحياة للناس جميعًا، وهذه الأمانة يجب رعايتها، لقد كانت سببًا في نجاة بلاد من الفقر والقحط الشديد، هذا سيدنا يوسف يفسر رؤيا عزيز مصر التي أزعجته: ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف 47-49].

حفظ حدود الله: فالحقول بينها حدود، والذي يحافظ على تلك الحدود ولا يعتدي عليها حافظٌ لحدود الله: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، روى مسلم عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ”.

• إغاثة الملهوف: لقد كان الزرع إغاثة ليونس عليه السلام بعد أن التقمه الحوت، ثم لفظه إلى شاطئ البحر، أغاثه الله بنبات اليقطين ليعيد إليه عافيته: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾ [الصافات 145-146]، وكذلك كان الرطَب إغاثة لمريم عليه السلام: } ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25].

التفاني في العمل والإنتاج : يمكن أن نرى فئات كثيرة تقوم بما يسمى بالإضراب: أطباء / مدرسون / محاسبون / عمال…… إلا المزارع الذي لا يفكر أبدًا في إضراب أو امتناع عن العمل في حقله لأنه يعرف قيمته وأهميته في هذا المجتمع ويعلم الثواب العظيم له عند الله عز وجل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”.

الشكر لله عز وجل وعدم جحود النعمة: لأن الإنسان يرى نعمة الله كل يوم بين يديه وهو يرعى زرعه فيدوم شكره لربه، وفي قصة صاحب الجنتين العبرة والمثل، فقد جحد نعمة الله ونصحه صاحبه المؤمن: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: 39]، ولما لم ينتصح كانت النتيجة ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42]

• حسن التوكل على الله عز وجل: فالمزارع يخرج بعد صلاة الفجر متوكلًا على الله ولا يرجع إلا بعد غروب الشمس حامدًا ربه عز وجل، وهذا من حسن التوكل على الله سبحانه.

معجزة الرسول في الزراعة

 حنين الجذع: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ: “كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ”.

للمزارعين شرف

• كفى بالمزارعين شرفًا أن الله عز وجل قد شبه بالزرع خير البرية صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال عز وجل:﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

منقول

ميزان الاسلام في الزراعة

اقرأ في الموقع