حقوق المرأة المُطلّقة في النفقة  

اهتمّت الشريعة الإسلاميّة بحقوق المرأة، وأوْلَتها عناية خاصة نظراً لدورها الكبير في الأسرة والمجتمع، كما كفلت أيضاً حقوق الرجل، ولذلك وجب على كلّ طرفٍ منهما معرفة ما عليه من واجباتٍ تجاه الآخر، وما له من حقوقٍ، والطرق والوسائل التي تُحقّق الرضا عند كليهما، علماً أنّه قد تقع الخلافات بينهما؛ بسبب التقصير في أداء الواجبات، وتصل بهما الحال إلى التفريق والطلاق، وبالتفريق بينهما تترتّب عدّة حقوقٍ تحفظ كلا الطرفَين من لحوق أي ضررٍ بهما ومن أهم الحقوق حق المرأة المطلقة في النفقة

حقّ المُطلّقة في النفقة

الطلاق إمّا أن يكون رجعّياً، أو بائناً، ولكلّ نوعٍ منهما حكم مُتعلّق بالنفقة، وبيان ذلك فيما يأتي:

نفقة المُطلّقة طلاقاً رجعيّاً

حقوق المرأة المُطلّقة في النفقة  

اتّفق الفقهاء على وجوب نفقة المُطلّقة طلاقاً رجعيّاً على الزوج خلال أيّام عدّتها فقط، وتشمل نفقتها الطعام، والشراب، والمسكن، والملبس؛ سواءً كانت الزوجة حاملاً، أم لا؛ استدلالاً بعدّة آياتٍ قرآنيةٍ دلّت على ذلك، وفيما يأتي بيانها:

قول الله -تعالى-: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)،  فقد أمر الله ببقاء الزوجة في بيت زوجها خلال فترة العدّة، ممّا يعني أنّ نفقتها واجبة على الزوج؛ إذ إنّها محبوسةٌ لأداء حقّ الزوج، فوجبت عليه نفقتها.

قول الله -سبحانه-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)،  فدلّت الآية على أنّ المُطلّقة رجعيّاً تُعدّ زوجةً، إذ أُطلِق على الرجعة لفظ الإمساك، وعلى الزوج المُطلّق لفظ الزوج.

عموم النصوص القرآنيّة الدالّة على وجوب نفقة الزوجة على الزوج، ومنها: قول الله -تعالى-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ).

نفقة المُطلّقة طلاقاً بائناً

البائن الحامل

اتّفق الفقهاء على ثبوت حقّ النفقة والسُّكنى للمطلّقة طلاقاً بائناً إن كانت حاملاً؛ استدلالاً بعدّة أدلّةٍ، منها:

قول الله -عزّ وجلّ-: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)،  والآية تدلّ دلالة صريحةً على وجوب الإنفاق على المُطلّقة الحامل إلى أن تضع حملها.

قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لفاطمة بنت قيس بعدما طلّقها زوجها طلاقاً بائناً: (وَاللَّهِ ما لَكِ نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا).

اعتبار الولد للمُطلِّق؛ فوجب عليه الإنفاق على ولده، ويكون الإنفاق عليه بالإنفاق على أمّه، واستندوا في ذلك إلى القاعدة الأصولية: ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب”.

البائن غير الحامل

إن لأهل العلم في حكم النفقة على المُطلّقة طلاقاً بائناً إن لم تكن حاملاً تفصيلاً، وخُلاصة القول في المسألة ما يأتي:

القول الأول:

 قال الحنفيّة بوجوب النفقة والسُّكنى لها، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)،

ويُستدَلّ من الآية على وجوب النفقة على المُطلّقة مُطلَقاً، كما قال أيضاً: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)،  فالله -سبحانه- نهى المُطلّقات عن الخروج من بيوتهنّ، ولا فرق في ذلك بين المُطلّقة طلاقاً رجعيّاً، أو بائناً.

القول الثاني:

 قال المالكيّة، والشافعيّة بأنّ للمطلّقة بائناً غير الحامل الحقّ في السُّكنى دون النفقة، واستدلّوا على رأيهم بأنّ الآيات المذكورة سابقاً تدلّ -في رأيهم- على وجوب السكن للمُطلّقة مُطلقاً، أمّا النفقة فلا تجب إلّا للحامل، واستدلّوا أيضاً بقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لفاطمة بنت قيس بعدما طلّقها زوجها طلاقاً بائناً: (وَاللَّهِ ما لَكِ نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا)،

 فالحديث ينفي صراحةً حقّ النفقة للمُطلّقة غير الحامل دون السكن، وقالوا بأنّ العلاقة بين الزوجين انتهت بالطلاق البائن، فلا بدّ من سقوط النفقة بزوال العلاقة، والنفقة تجب للزوجة مقابل تمكين نفسها من زوجها، واستمتاعه بها، فإن زال التمكين والاستمتاع، سقطت النفقة.

القول الثالث:

قال الحنابلة، والظاهريّة بأنّ المطلّقة طلاقاً بائناً لا تجب لها النفقة، أو السُّكنى إن لم تكن حاملاً، وقالوا بأنّ الآيات السابقة تتعلّق بالطلاق الرجعيّ، وليس البائن، كما استدلّوا بما ثبت في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس أنّها قالت: (طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً).

مقدار نفقة المُطلّقة

اتّفق الفقهاء على أنّ للزوجة نفقة المُوسرين إن كان الزوجان كذلك، ولها نفقة المُعسرين إن تعسّرت حالهما، إلّا أنّهم اختلفوا؛ إن كان أحد الزوجين مُوسِراً، والآخر مُعسِراً، وبيان أقوالهم فيما يأتي:

القول الأول:

 قال الحنفيّة، والشافعيّة؛ بأنّ المُعتبَر حال الزوج؛ يساراً، أو إعساراً، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (وعلى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

 فقد أوجب الله -تعالى- على الزوج النفقة على الزوجة بالمعروف؛ أي بما تعارف عليه الناس، فيُنفق الزوج بحسب حاله، واستدلّوا أيضاً بقول الله -تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)

فالخطاب مُوجَّهٌ للزوج، ممّا يعني أنّ المُعتبَر حاله باليسار والإعسار في النفقة.

القول الثاني:

 قال بعض الحنفيّة بأنّ المُعتبر حال الزوجة، وقالوا بأنّ الكسوة والرزق يرجعان في الذِّكر إلى الوالدات في الآية السابقة، ممّا يدلّ على أنّ حالهنّ هو المُعتبَر في تقدير النفقة، كما استدلّوا بقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لهند بنت عُتبة: (خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروفِ)

 فقد أسند النبيّ الكفاية إلى الزوجة، ممّا يعني أنّ حالها هو المُعتبَر في النفقة.

القول الثالث:

 قال المالكيّة، والحنابلة، وبعض الحنفيّة بأنّ المُعتبَر حال الزوجين معاً، وإن اختلفت حالهما؛ فالنفقة تُقدَّر بحال المُتوسّطين؛ جمعاً بين أدلّة الفريقين السابقين؛ فالآية اعتبرت حال الزوج، والحديث اعتبر حال الزوجة، فكان الجمع بينهما أولى من اعتبار أحدهما.

حقّ الزوجة في المسكن

يجب على الزوج تأمين السكن للزوجة، حتى وإن كانت مُعتَدّةً، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)،  والبيت المذكور في الآية السابقة هو البيت الذي تسكنه الزوجة وقت الفراق بينها وبين زوجها؛ سواءً أكانت الفُرقة بالطلاق، أم بالوفاة

وأجاز الحنفيّة بقاء المطلّقة طلاقاً رجعيّاً في بيتٍ واحدٍ مع زوجها، ولزوجها الاستمتاع بها بعد الطلاق؛ قاصداً بذلك مُراجعتها؛ أي أنّ استمتاعه بها بمثابة الرجعة، أمّا إن كان الطلاق مُكمّلاً للثلاث، أو كان طلاقاً بائناً، فلا يجوز للمُطلّق الإقامة مع مطلّقته، وتبقى المُطلّقة في البيت، بدليل قوله -تعالى-: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ)،  وقال الحنفيّة بوجود أعذارٍ مُبيحةٍ لخروج المطلّقة من بيتها، وقضاء فترة العدّة خارجه، كضيق المنزل.

حقوق المرأة المُطلّقة في النفقة  
  • views
  • تم النشر في:

    أحكام وتعاليم اسلامية

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=8044

اقرأ في الموقع