معنى آية: فكنتم على أعقابكم تنكصون

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون آخر سورة في حزب المئين وهي السور التي تلي السور السبع الطوال، وسور المئين هي التي يكون عدد آياتها في حدود 100 آية قد تكون أكثر أو أقل بقليل، والسورة من السور المكية في القرآن الكريم، تقع في الجزء الثامن عشر من المصحف ورقم ترتيبها فيه 23، كانت بعد سورة الحج نزولًا، سمِّيَت بسورة المؤمنون لأنَّها تحدَّثت في مطلعها عن أحوال المؤمنين وصفاتهم، وكيفَ أنَّهم الذين يفلحون في الدنيا والآخرة،  .

معنى آية: فكنتم على أعقابكم تنكصون،  

لقد وردَت هذه الآية الكريمة في سورة المؤمنون، وهي الآية رقم 66 فيها، وقبل الشروع بالحديث عن معنى آية: فكنتم على أعقابكم تنكصون، بالشرح التفصيلي، سيُشار إلى السياق التي وردَت فيه الآية، فقد ذكرها الله تعالى عندما خاطبَ أهل النار الذين أخذهم بالعذاب بعد أن كانوا في غفلةٍ عمَّا حذَّرهم منه الأنبياء والرسل، قال تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ* حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ* لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ* قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ* مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ* أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}

 وفي هذه الآيات يشيرُ الله تعالى إلى أصحاب العذاب في نار جهنم الذين كانوا يعرضون عن كتاب الله ويكفرون به ويرفضون الاستماع إليه، وهجران القرآن له صورٌ عديدة منها عدم قراءته وعدم الإنصات إليه وعدم تدبره والعمل بأحكامه وبما جاء به

وفي معنى آية: فكنتم على أعقابكم تنكصون، توجِّه الآية خطابًا إلى أهل النار قائلةً: أنَّه عندما كانت آياتُ الله تتلى عليكم في الحياة الدنيا كنتم تُعرِضون عنها وتَنفرون من الاستماعِ إليها، وتعرضون عمَّن يتلوها عليكم، وترجعون القهقرى للابتعاد عنها، مثل الذي ينكص على عقبيه رجوعًا إلى الوراء.

والأعقاب هي جمع كلمة عقب وهي مؤخرة القدم، والنكوص من الرجوع إلى الخلف، وفي الآية السابقة إشارة من الله إلى إعراض الكافرين والمشركين عن كتاب الله تعالى وعن الإيمان به، أي يقول لهم الله تعالى: لا تصرخوا ولا تدعوا لأنَّ الأوان قد فات الآن، ولن يفيدكم هذا في أي شيء، فقد أصررتم على كفركم في الحياة الدنيا عندما كانت الفرصة سانحة أمامكم

وكانت الآيات التي تدلُّ على وحدانيتي كثيرة وتُتلى على أسماعكم من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وممن حوله من المؤمنين، ولكنَّكم كنتم تعرضون عن الاستماع إليها وعمَّن يتلوها إعراضًا شديدًا، وكنتم تستهزئون بها غير آبهين بأي شيء وغافلين عن أحداث هذه الساعة، وفي تفسير الطبري وردَ أنَّ الله إذ خاطب المشركين من قريش بعد أن نزلَ بهم عذاب الله الذي كانوا يكذبون به، وسخط الله عليهم، وكل ذلك بما كسبته أيديهم واستحقوا به عذاب الله، فقد كانت آيات الله تتلى عليهم دون أن يستجيبوا لها

فقال لهم الله تعالى: لقد كانت آيات كتابي تتلى على أسماعكم، فكنتم تكذِّبون بها وتعرضون عنها وتنفرون من الاستماع إليها، وتولون عنها وترجعون على أعقابكم أو تولون عنها مبتعدين؛ لأنّكم كنتم تكرهون الاستماع إليها وإلى الحق، فيقال لكل من رجعَ من المكان الذي جاء منه: نكص على عقبه، ويقول مجاهد في معنى تنكصون: تستأخرون، أمَّا ابن عباس -رضي الله عنه- فقد فسرها بمعنى تُدبرون وأشار إلى أنَّ هذا الخطاب موجَّه إلى أهل مكة، والله تعالى أعلم.

معاني المفردات في الآية

  • كنتم: من كان ويكون وكونًا وكيانًا وكينونةً، والفاعل كائن، وكان: فعل ماض ناقص، وتأتي بمعنى ثبتَ ووقع وحدث، وكان الله وليس معه شيء أي وقع، وتأتي بمعنى ينبغي كما في قوله تعالى: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}، وتفيد معنى الاستقبال ونحو كما في قوله تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}، وتعطي معنى الدوام والاستقرار وتأتي بمعنى الحال أيضًا كما في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وكان الأمر: بمعنى حدثَ وصار ووجِد، ومعنى كأن لم يكن: أي كأنه لم يحدث ولم يوجد من قبل.
  • أعقابكم: مفرده العقب، وهو العظم في مؤخرة القدم، ويكون أكبر العظام فيها، ومعنى ويلٌ للأعقاب من النار: أي لمن ترك غسل الأعقاب أثناء الوضوء، ويمكن أن يطلق العقب على آخر كل شيء، والولد يدعى العَقِب، ومشى الرجل في أعقابهم: لحقهم وتبعهم واقتفى أثرهم، وشخص موطَّأ العقِب: له أتباع كثيرون.
  • تنكصون: من الفعل نكصَ وينكُص وينكِص، نكصًا ونكوصًا، والفاعل ناكص، والمفعول منكوص، ونكص على عقبيه: رجع إلى المكان الذي جاء منه أو رجع عمَّا كان عليه من خير وحق، ونكصه على عقبيه: ردَّه، وينكصون يرجعون عن الحق، ونكَّص الشخصَ: جعله ينكص، أي يرجع عما كان عليه، ومصدرها نكْص.

إعراب الآية

  • فكنتم: الفاء: حرف عطف، كنتم: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة، والتاء: ضمير متصل في محل رفع اسم كان، والميم للجمع.
  • على: حرف جر.
  • أعقابكم: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل تنكصون.
  • تنكصون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون في آخره، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة “تنكصون” جملة فعلية في محل رفع خبر كان.

الدروس المستفادة من الآية

يجب على الإنسان أن يسعى في هذه الحياة الدنيا ويعملَ في طاعة الله ويتقرَّب إليه ويجتنب نواهيه، وأن لا ينتظر إلى يوم القيامة عندما لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لأنَّه في تلك اللحظات لن يقبَل الله تعالى منه شيئًا إلا ما قدمه في حياته الأولى لنفسه.

  • لا يجوز الابتعاد عن كتاب الله تعالى أو هجره ولا بأي صورة من صور الهجر، وقد شكا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير موضع من كتاب الله قومه إلى الله تعالى لأنهم هجروا القرآن الكريم، وتدلُّ تلك الشكوى على خطورة تلك المعصية وعظيم جرمها عند الله تعالى، حيث قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
  • الامتناع عن سماع القرآن الكريم وعدم الإنصات إليه صورة من صور الهجر ولون من ألوان النكوص عن الحق واتِّباع الباطل.
  • رفض الأخذ بأحد الأحكام الشرعية الواردة في كتاب الله تعالى أو عدم الانصياع إلى أحد الأوامر فيه يعدُّ من النكوص وهو الرجوع عن الحق أيضًا.

معنى قوله تعالى:( فكنتم على أعقابكم تنكصون )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ في الموقع