الفرق بين الابتلاء والعقوبة

الابتلاء والعقوبة مسميات  مختلفة المعنى،  مع أنّ كلاهما فيه شدّة ومعاناة عند صاحبه ويتّفق في درجة قسوته إلّا أنّ ثمّة فرق بينهما، وهذا الفرق يتميّز به شخص عن آخر، وأمّة عن أخرى.

يعرف الابتلاء اصطلاحًا، الاختبار والامتحان، والبلاء يكون في الخير والشر، كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، قال أبو الهيثم: «البلاء يكون حسنًا ويكون سيئا، وأصله المحنة»، والله -عز وجل- يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره.

ــ الابتلاء يتعلّق بالمؤمن، وله أغراض أهمّها اختبار صدق إيمانه وتربيته على الصبر وتمحيصه، فهو تزكية متواصلة للمؤمن وهو بهذا الوصف كله خير؛ لأنّ الله لن يختار للمؤمن إلّا الخير، مصداقاً؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: “عجباً لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صب، فكان خيراً له”

 فالمؤمن بصبره على هذا الابتلاء يحقق معاني العبودية الحقّة لله سبحانه وتعلى كما وفيه تقويم دائم لسلوكه فعند وقوع الابتلاء يقف المسلم مع نفسه وقفة تدبر وتمحيص وتفكر، فيتلمس خطى سيره أهي في الصواب أم الخطأ

ــ أمّا العقوبة، فهي لمن انحرفوا عن جادة الصواب، فاغتروا بالحياة الدنيا وزينتها وشهواتها.

ــ تتعدّد صور وأشكال الابتلاء للمؤمن فتكون في بدنه بالمرض، أو في ماله بالفقر، ليعلم صبره من عدمه أو الغنى أحياناَ ليعلم شكره من عدمه وعدم إدراك بعض الأعمال والتوفيق فيها، أو في عداء الناس له أو في النسيج الاجتماعي بعداء الناس له ومقاطعتهم له، وخاصّة ممّن لا يعجبهم التزامه وصدقه، وقوامة سلوكه، وقد يكون فردياً يتعلّق بشخص المؤمن

 وقد يكون جماعياً يتعلق بالمؤمنين مجموعهم كإبطاء النصر وتأخره لحكم يريدها الله أن يحققها، من تمحيص وتربية، واختبار وإعداد للأمّة، قال تعالى: “الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ”  

ــ المؤمن الصادق يجب أن يقابل الابتلاء بالرضى والصبر، واللجوء إلى الله ـ سبحانه ـ وعدم الجزع عند وقوع المصيبة، وعليه أن يعلم أنّ الخير كل الخير فيما يختاره الله له، ويعلم أيضاً أنّ الله أبصر به من إبصاره هو بنفسه، فيكون بهذا الصبر محققاً لمعاني العبودية الصحيحة لله سبحانه وتعالى وأن يلوذ إلى الله سبحانه بالتضرّع والدعاء بان يختار له ما هو خير دائماً، ويخفف عنه، ويلهمه رشده، ويرزقه الصبر في النوائب.

من حكم الإبتلاء

تكفير السيئات :

الابتلاءات التي تصيب المؤمن فيصبر عليها سبب لتطهيره من السيئات كما قال تعالى ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ، [1] أي تنقيتهم من الذنوب بالابتلاءات . وعن أبي هريرة عن النبي قال : ( ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه )

رفع الدرجات (في الدنيا والآخرة):

قال ابن القيم في ذكره للحكم والغايات المحمودة من ابتلاء يوم أُحد : ( إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه .. كما قال تعالى :﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ .

تحقيق العبودية لله في السراء والضراء :

قال ابن القيم في ذكره لحكم الابتلاءات : ( استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، وفيما يحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون ويكرهون فهم عبيده حقا، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء، والنعمة والعافية ).

بيان حقيقة الناس ومعادنهم :

قال الفضيل بن عياض :الناس ما داموا في عافية مستورون فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم فصار المؤمن إلى إيمانه والمنافق إلى نفاقه

المصادر والمراجع والتعريفات

المصادر والمراجع والتعريفات
1 أي تنقيتهم من الذنوب بالابتلاءات
الفرق بين الابتلاء والعقوبة
  • views
  • تم النشر في:

    أحكام وتعاليم اسلامية

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=8045

اقرأ في الموقع