أجمل أشعار الإمام الشافعي رحمه الله
(1)
دع الأيام تفعل ما تشاء
دع الأيام تفعـل مـا تشـاء * * * * وطب نفساً إذا حكم القضـاء
ولا تـجزع لحادثـه الليالـي * * * * فما لحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهـوال جلدا * * * * وشيمتك السماحـة والوفـاء
وإن كثرت عيوبك في البرايـا * * * * وسرك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخـاء فكـل عيـب * * * * يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا ترى للأعـادي قـط ذلاً * * * * فإن شماتـة الأعـداء بـلاء
ولا تـرج السماحة من بخيـل * * * * فما في النار للظمـآن مـاء
ورزقك ليس ينقصـه التأنـي * * * * وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يـدوم ولا سـرور * * * * ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوع * * * * فأنت ومالـك الدنيـا سـواء
ومن نزلـت بساحتـه المنايـا * * * * فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسـعـة ولكـن * * * * إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغـدر كـل حيـن * * * * فما يغني عن الموت الـدواء
—–
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
(2)
إليك إله الخلق أرفع رغبتي * * * * وإن كنت ياذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * * * * جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته * * * * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تـزل * * * * تجـود وتعفـو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابـد * * * * فيكف وقد أغـوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب أنه * * * * تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه * * * * على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر به * * * * وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياما مضت من شبابه * * * * وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره * * * * أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي * * * * كفى بك للراجيـن سـؤلاً ومغنما
ألست الـذي غذيتني وهديتني * * * * ولا زلت مناناً علـي ومنعما
عسى من لـه الإحسان يغفر زلتي * * * * ويستـر أوزاري وما قـد تقدما
—–
بلوت بنـي الدنيا فلـم أر فيهـم
(3)
بلوت بنـي الدنيا فلـم أر فيهـم* * * * سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة صارمـاً* * * * قطعت رجائـي منهم بذبابـه
فلا ذا يرانـي واقفاً فـي طريقـه* * * * ولا ذا يراني قاعداً عنـد بابـه
غنى بلا مال عن النـاس كلـهـم* * * * وليس الغنى إلا عن الشيء لا به
إذا ما ظالـم استحسن الظلم مذهبا* * * * ولج عتوا في قبيـح اكتسابـه
فكله إلى صرف الليالـي فإنـهـا* * * * ستدعو له ما لم يكن في حسابه
فكم قـد رأينا ظالما متمردا* * * * يرى النجم رتيها تحت ظل ركابه
فعما قلـيلٍ وهـو فـي غفلاتـه* * * * أناخت صروف الحادثات ببابـه
وجوزي بالأمر الذي كـان فاعلا* * * * وصب عليه الله سـوط عذابـه
—-
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا* * * * فدعـه ولا تكثر عليـه التأسـفـا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة* * * * وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل مـن تهواه يهواك قلبه* * * * ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة* * * * فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله* * * * ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده* * * * ويظهر سرا كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق* * * * صدوق صادق الوعد منصفا
—-
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يا واعظ الناس عما أنت فاعله * * * * يا من يعد عليه العمر بالنفس
أحفظ لشيبك مـن عيب يدنسه * * * * إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها * * * * وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تملك طريقتها * * * * إن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على * * * * ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرس
يـوم القيامة لا مال ولا ولد * * * * وضمة القبر تنسي ليلـة العرس
—-
فإذا سمعت بأن مجدودا حــوى
فإذا سمعت بأن مجدودا حــوى * * * * عودا فأثـمر في يديه فصــدق
وإذا سمعت بأن محـرومـا أتى * * * * ماء ليشـربه فغـاض فحـقـق
لو كان بالحـيل الـغنى لوجدتني * * * * بنجوم أقطــار السـمـاء تَعلُّقي
لكن من رُزق الحجـا حُرم الغنى * * * * ضدان مفترقــان أي تفــرق
وأحق خلـق الله بِالْهمِّ امــرؤ * * * * ذو همة يُبلـى بـرزق ضيــق
ومن الدليل على القضاء وحكمه * * * * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الـذي رزق الـيسار فلم ينل * * * * أجرا ولا حمــدا لغير موفــق
والجد يدني كل أمر شــاسـع * * * * والجــد يفـتح كل باب مغلـق
—-
صن النفس واحملها على ما يزينها
صن النفس واحملها على ما يزينها* * * * تعش سالماً والقول فيـك جميل
ولا تولين الـناس إلا تجمـلا* * * * نبا بك دهر أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غـد* * * * عسى نكبات الدهـر عنك تـزول
ولا خير فـي ود امرئ متلون* * * * إذا الريح مالت مال حيـث تـميل
وما أكثـر الإخوان حيـن تعدهـم* * * * ولكنهم فـي النائبات قليل
—
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
ما في المقام لـذي عقـل وذي أدب* * * * من راحة فـدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه* * * * وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيـت وقوف الماء يفسده* * * * إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست* * * * والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة* * * * لملها الناس من عجم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقى فـي أماكنه* * * * والعود في أرضه نوع من الحطب
فـإن تغرب هـذا عـز مطلبه* * * * وإن تغرب ذاك عـز كالـذهب
——
الظلم
بَلَوْتُ بَني الدُّنيا فَلَمْ أَرَ فِيهمُ* * * * سوى من غدا والبخلُ ملءُ إهابه
فَجَرَّدْتُ مِنْ غِمْدِ القَنَاعَة صَارِماً * * * * قطعتُ رجائي منهم بذبابه
فلا ذا يراني واقفاً في طريقهِ * * * * وَلاَ ذَا يَرَانِي قَاعِداً عِنْدَ بَابِهِ
غنيِّ بلا مالٍ عن النَّاس كلهم* * * * وليس الغنى إلا عن الشيء لابه
إِذَا مَا ظَالِمٌ اسْتَحْسَنَ الظُّلْمَ مَذْهباً* * * * وَلَجَّ عُتُوّاً فِي قبيحِ اكْتِسابِهِ
فَكِلْهُ إلى صَرْفِ اللّيَالِي فَإنَّها * * * * ستبدي له مالم يكن في حسابهِ
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِماً مُتَمَرِّداً * * * * يَرَى النَّجْمَ تِيهاً تحْتَ ظِلِّ رِكابِهِ
فَعَمَّا قليلٍ وَهْوَ في غَفَلاتِهِ * * * * أَنَاخَتْ صُروفُ الحادِثَاتِ بِبابِهِ
فَأَصْبَحَ لا مَالٌ وَلاَ جاهٌ يُرْتَجَى * * * * وَلا حَسَناتٌ تَلْتَقي فِي كتَابِهِ
وجوزي بالأمرِ الذي كان فاعلاً * * * * وصبَّ عليهِ الله سوطَ عذابه