تجد في هذه المقالة:
ما أنواع الصبر
أهمية الصبر
الإنسان في حال متقلّب في الدنيا وهي سنّة من سنن الله -تعالى-؛ فينتقل حاله بين السرّاء والضرّاء، وقد شرع الله -تعالى- للمؤمنين الشكر في حال السرّاء، وشرع لهم الصبر حال الضراء، فهو في السرّاء شاكر لنعم الله -تعالى- محسن للناس، ويكون في الابتلاء صابراً ومانعاً نفسه عن ما يغضب الله -تعالى- من الأقوال والأفعال، وفي الحالتين هو متعبّدٌ لله -سبحانه وتعالى-، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حال المؤمن؛ فقال: ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
أنواع الصبر
ينقسم الصبر إلى ثلاث أنواع
النوع الأول : الصبر على قضاء الله وقدره
الصبر على الابتلاء هو أحد أنواع الصبر، حيث يصبر المسلم على ما يصيبه من قضاء الله وقدره مما هو خارج عن إرادته
وهذا الصبر هو مدار امتحان الله للعبد في الدنيا، وقد وصف الله -تعالى- حال الصابرين على بلائه في الضراء في قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
ثم دلّ الله -سبحانه وتعالى- المسلمين على ما يقولون في ذلك؛ فقال: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
والرضا بالقضاء والقدر هي درجةٌ عليا من الصبر، وهي أعلى درجة من الصبر على البلاء، ويصل العبد إلى هذه الدرجة حين يعلم أنّ ما أصابه تقديرٌ الله -تعالى- فيسلّم أمره له ويرضى بقضائه؛ فينعم في عيشه وتطمئن نفسه
الصبر على البلاء وهي الدرجة الثانية من الصبر؛ فهو واجب على المؤمن، مؤمور به من الله -تعالى-، وعاقبة الصبر خيرٌ في الدنيا والآخرة، وبين الصبر والرضا فروق عدّة؛ فحين يكون الصبر إمساكٌ للنفس عن التسخّط على القضاء مع وجود الألم منه والرغبة في زواله، فالرضا هو طمأنينة في النفس وانشراح بالقضاء، مع عدم تمني زوال الألم وإن كان الإحساس به موجوداً، وفي الصبر منع للنفس عن أيّ ردِّ فعل يوجب الخوف من المصيبة.
النوع الثاني : الصبر عن المعصية
يكون المسلم صابراً عن معصية الله -تعالى- إن أمسك نفسه عن فعلها، وذكّر نفسه دائماً بتقوى الله -تعالى- وباليوم الآخر، وجاهد نفسه لمنعها عن حبّ المعصية أو التعلّق بها، ويدرب المسلم النفس على كراهة وبغض ما يكره الله -تعالى- من الأفعال والأقوال،
الصبر عن المعصية يقسم إلى ثلاثة أقسام
– أولها : أن يصرف المسلم قلبه عن حبّها والتعلق بها، والتواجد في الأماكن التي تكون بها أو يجالس أصحابها ويأنس بهم
– ثانيها : أن يمنع نفسه عن فعلها إن كان قادراً على ذلك، فلا يقربها ولا يزوالها
– ثالثها : أن يكون خروجه منها وإقلاعه عنها سريعاً إن وقع بها، ويسرع بالتوبة عنها،
وينشأ الصبر عن المعصية من عدّة أسباب، كما يأتي:
– العلم بقبح المعصية، وأنّ الله -تعالى- إّنما حرّمها على العبد لدناءتها ورذالتها.
– الخوف والخشية من الله -تعالى-.
– استشعار مراقبة الله -تعالى- للعبد في كلّ حين، والاستحياء من أن يراه على ما لا يحبّ.
– تقوية محبة الله -تعالى- في القلب.
– ترك الإسراف أو الزيادة من فضول الطعام والشراب والملبس والاجتماع بالناس؛ فقد يكون ذلك باباً داعياً إلى المعصية.
– العلم بقبح أثر المعصية وضررها وعاقبتها السيئة.
– تذكّر الموت وقصر الأمل.
النوع الثالث: الصبر على طاعة الله
الصبر على طاعة الله -تعالى- من أعظم أبواب الصبر، وهو عملٌ يستلزم صدق العبد مع الله -تعالى-، والصدق مع نفسه أيضاً ومجاهدتها على فعل الطاعة، قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
وللصبر على طاعة الله أقسام ثلاث:
– أولها : أن يكون العبد مقبلاً عليها مستعدّاً لها،
– ثانيها: أن يؤدّيها كما أمر الله -تعالى- ويكون قلبه حاضراً فيها خاشعاً فيها،
– ثالثها : أن يتمّها دون أن يلحق بها ما يبطلها من الرياء وطلب السمعة والمنّ والأذى وغيرها من مبطلات العمل.
وقد أمر الله -تعالى- عباده بالصبر في مواضع عدّة من القرآن الكريم؛ كقوله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)
وينتقل العبد في صبره على الطاعة بين ثلاث أحوال؛ فقبل الطاعة يصحّح نيته، ويصبر على إخلاص العمل لله -تعالى-، ثم يستشعر مراقبة الله -تعالى- له، ويجتهد في إتمام السنن والآداب؛ فيصبر حتى تمام العمل، ثم يصبر على كتمان العمل وعدم الإخبار أو الإعجاب به،
ويرافق ذلك كلّه المداومة على ذكر الله -تعالى-، ورجاء ثوابه، وخشية عقابه، واستذكار فضل الصبر وثوابه،
وتصبير النفس على ما يصيبها، وجعلها مطيعة لله -تعالى- بالصلاة والصيام والجهاد وما إلى ذلك من الطاعات، قال -تعالى-:(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)