تجد في هذه المقالة:
الشهيد عبد القادر الحسيني
الولادة والنشأة
في عام 1908 أنجبت زوجة موسى كاظم الحسيني في اسطنبول ولداً اسمه عبد القادر .
نشأ هذا الولد في بيت علم وجهاد ، و ورث عن أبيه النخوة الدينية كما ورث عنه النسب الشريف الممتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأبوه شيخ المجاهدين موسى كاظم الحسيني الذي صرخ في وجه الاحتلال البريطاني ، و قاد ضده أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين اعتراضاً على الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني و احتجاجاً على تسهيل تدفق المهاجرين اليهود ، فضيقت عليه سلطات الاحتلال و عزلته من منصبه في رئاسة القدس .
ومع ذلك استمر في الاحتجاج و التعبير عن رفض المشروع البريطاني داخل الأراضي الفلسطينية .حتى شارك في مظاهرة أكتوبر عام 1933 و ضربه جنود قوات الاحتلال بالهراوات ضربات قاسية حتى أغمي عليه و سقط طريح الفراش . ثم توفي بعد ذلك متأثراً بتلك الإصابة وقد ناهز عمره 81 عاماً
تعلّم القرآن عبدالقادر في القدس ، و أتم تعليمه في المدارس النظامية حتى تخرج من الثانوية بتفوق ثم التحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة و أسس فيها أول رابطة للطلبة الفلسطينيين .
وأثناء مدة دراسته اكتشف أن الجامعة الأمريكية ما هي إلا وكر استعماري مقنّع ، فكتم قناعته في الجامعة حتى حفل التخرج ، فوقف فيه بكل صلابة أمام أساتذة الجامعة و كبار المسؤولين الأمريكيين قائلاً لهم : إنني لست بحاجة إلى شهادة من معهدكم الذي هو معهد استعماري وتبشيري فأنا الذي حققتها وليست هي من حققتني .
على إثر هذا الموقف سحبت شهادته العلمية ، و أصدرت الحكومة المصرية آنذاك أمراً بإبعاده من مصر .
عودة عبد القادر الحسيني إلى القدس
لما عاد إلى القدس تلقفته سلطات الاحتلال البريطانية و عرضت عليه وظائف رفيعة المستوى ، لكنه رفض تلك المغريات و آثر العمل في الحافة للتعبير عن رأيه و مناهضة الاستعمار بقلمه .
ثم عمل بعد ذلك في دائرة تسوية الأراضي فاستطاع من خلالها الاتصال بالفلسطينيين في القرى المختلفة ، و استغل هذا الاتصال في تأسيس و تشكيل منظمة سرية مسلحة .
فاشترى الأسلحة و المعدات و خزّنها في أماكن آمنة ، و درّب أعداداً من الشباب على استعمالها .
فلما أمعنت بريطانيا في معاداة العرب واستفحل الخطر اليهودي على الفلسطينيين استقال من وظيفته بدائرة الأراضي الزراعية وتفرغ لمنظمته السرية المسلحة التي أطلق عليها إسم منظمة المقاومة والجهاد .
يُذكر أن مفتي القدس أمين الحسيني كان على علم بهذا النشاط السري ومتابع له من بعيد ، حتى جاء الوقت الذي عرض فيه على عبد القادر توحيد جهود هذه المنظمات القتالية السرية .
فقبل بذلك و أسست منظمة الجهاد المقدس و أسندت قيادتها إلى عبد القادر الحسيني .
الثورة الفلسطينية الكبرى
نشبت الثورة الفلسطينية الكبرى في 15 أبريل عام 1936 ، و أعلن أبناء فلسطين أطول إضراب عام في التاريخ يقوم به شعب بأكمله الذي استمر ستة أشهر كاملة
بعد ذلك بدأت مرحلة الكفاح المسلح بعد أن تأججت مشاعر الفلسطينيين بسبب اقتراح اللجنة البريطانية تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب .
و كان عبد القادر الحسيني أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة المسلحة على بطش الاحتلال البريطاني .
و قد سطر الفلسطينيون بطولات عظيمة في تلك الملحمة فمكنهم استبسالهم و تفانيهم في القتال من السيطرة على الريف الفلسطيني و تحرير مجموعة من المدن والقرى .
وفي أثناء تلك المعركة الدامية سقط عبد القادر متأثراً بجروح بليغة ، فتمكنت قوات الاحتلال من أسره وتقييده ، ثم نقل بعد ذلك مكبلاً إلى المستشفى
ثم في مشهد بطولي أشبه ما يكون بمغامرات أبطال الأفلام الهوليودية استطاع رفاق عبد القادر تخليصه من قبضة الاحتلال .
من خلال هجومهم على القوات البريطانية التي كانت تحرس المستشفى ، ثم حملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه هناك .
فلما استعاد عافيته عاد إلى فلسطين مرة أخرى ، و نقل عملياته إلى منطقة الخليل فحشد الاحتلال قوات عسكرية ضخمة للقضاء عليه وعلى رفاقه المقاتلين .
ووقع في تلك المعركة الكثير من الشهداء وأصيب عبد القادر مرة أخرى لكنه نجح في الهروب هذه المرة من الأسر .
الاتصال مع الألمان
بعد هذه الأحداث بمدة اشتعلت الحرب العالمية الثانية فاستثمر عبد القادر حالة العداء بين ألمانيا النازية و بريطانيا ، حيث انطلق إلى ألمانيا ليتلقى التدريب على صنع المتفجرات وتركيبها .
فمكث هناك ما يقارب ستة أشهر ثم عاد إلى مصر محملاً بهذه الخبرات الحربية الجديدة .
فبدأ بتدريب المقاتلين الفلسطينيين و المقاتلين المصريين المتطوعين ، و وضع خطة إعداد المقاومة الفلسطينية ضد الدولة الصهيونية المرتقبة .
وعندما بدأت تتكشف نية الأمم المتحدة بإصدار قرار تقسيم فلسطين و الاعتراف بالدولة الصهيونية اللقيطة .
قررت الهيئة العربية العليا برئاسة المفتي أمين الحسيني إنشاء جيش الجهاد المقدس لمواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة .
و أسندت القيادة العامة لهذا الجيش إلى عبد القادر الحسيني .
إعلان تقسيم فلسطين
في 29 نوفمبر عام 1947 صدر قرار الأمم المتحدة المشؤوم بتقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية و دولة عربية .
فأضطرمت نار الغضب في صدور الفلسطينيين و هاجت المدن والقرى بالمظاهرات العارمة ، و وقعت الصدامات الدامية بين الشعب الفلسطيني من جهة والعصابات اليهودية مع القوات البريطانية من جهة أخرى .
وفي هذه الأثناء تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً ، و بدأ بتشكيل قوات الجهاد المقدس ، و قد أظهر المقاتلون حماسة عظيمة نحو الجهاد والتضحية .
ولكن خذلهم هزالة الدعم العربي بالسلاح والعتاد بخلاف القوات الصهيونية التي أمدتها القوى الاستعمارية بأكفأ الأسلحة و المعدات القتالية .
فانطلق إلى دمشق حيث اللجنة العسكرية العربية التابعة لجامعة الدول مطالباُ بمدد من الأسلحة والذخائر لمواجهة الصهاينة و حسم المعركة .
فقوبل طلبه بالرفض و الاستخفاف فأصيب بخيبة أمل شديدة ، فأرسل إلى القاهرة رسالته الشهيرة التي عبر فيها عن وجعه وشعوره بالخذلان :
(إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح) .
استشهاد عبد القادر الحسيني
وبينما حاله كذلك بلغه نبأ احتلال القرية الحصينة قرية القسطل ، فغادر دمشق مسرعاً لقيادة معركة تحرير القسطل التي كان يعتبر احتلالها مقدمة احتلال القدس .
فلما وصل وجد الجنود عاجزين عن اقتحام المدينة ، إذ كانت محصنة بشكل قوي ، فاستطاع أن يقتحمها بنفسه مع مجموعة من رفاقه الشجعان .
فبلغ المقاتلين في الخارج أن عبد القادر قد أصبح محاصراً ، فهبت لنجدته جماهير المجاهدين من جميع الجبهات .
فلما استطاعوا تحرير القسطل و طرد الصهاينة وجدوا القائد عبد القادر الحسيني ملقى على الأرض محتضناً سلاحه وغارقاً بدمه .
فأسقط في يد المقاتلين و تملكهم الحزن والأسى الشديدين برحيل قائدهم الذي طالما كانت بطولته وبسالته مصدر إلهام لهم .
وقد أوفى بعهده إذ اقسم أن تقسيم فلسطين لن يمر إلا على جسده .
شيعته الجماهير بجنازة مهيبة وصُلي عليه في المسجد الأقصى المبارك كما صلي عليه صلاة الغائب في الجامع الأزهر ومجموعة من العواصم العربية والإسلامية .
منقول بتصرف / سعد القحطاني