بحث عن عنترة بن شداد : الفارس العاشق  

من هو عنترة بن شدّاد

عنترة بن شداد الفارس الشجاع ، و أحد أشهر شعراء العرب ، وهو ابن عمرو بن معاوية بن شدّاد بن قراد العبسي المضري ، ولد في بلاد نجد حوالي سنة 525 م ، لأب شريف من ،قبيلة عبس ، وأم سباها شداد في إحدى غاراته ، وتدعى زبيبة ، وكانت سوداء اللون ومنها ورث عنترة سواده .

نشأ عنترة عبدا راعيا ، وتلك عادة جاهلية أصيلة ، فأبناء الإماء لا ينسبون إلى آبائهم إلا إذا أثبتوا بسالة وبطولة ترفع قدرهم ومنزلتهم ، وقد عاش عنترة يحارب عبوديته آملا في الحرية والشرف الرفيع .

 حرية عنترة

كان عنترة قوي الهيئة ، حاد البصر ، يصرخ فيبث في قلوب خصومه الرعب ، ولهذا بالرغم من كونه عبدا فقد كانت له هيبة وقوة ، فلا يستطيع الناس أن يعتدوا عليه .

وحدث ذات يوم ، أن أغارت إحدى القبائل على عبس وسرقت إبلهم ، فهرع شداد إلى عنترة حيث كان مستلقيا على هضبة يشاهد ما يحدث ، فدعاه أبوه إلى أن يدافع عنهم ، فقال جملته المشهورة : العبيد لا تحسن الكر والفر ، بل تحسن الحلاب والصر .

عندها أدرك أبوه منزلة وقدر عنترة فوعده أن يمتعه بحريته ويفخر به ، عندها انطلق عنترة كسهم يشق غبار الظلمة الحالكة بنور الخلاص والشجاعة والإقدام ، فقهر العدو بكل قوة ، وتمكن من استرداد الإبل ، فأضحى عنترة فارس عبس المغوار ، الذي يدافع عن حمى قبيلته ، بسيفه القاطع .

عنترة بن شدّاد الفارس

وما إن عرف عنترة بالشجاعة والإقدام ، حتى صارت شهرته تبلغ القاصي والداني ، فأضحى قائدا لكتائب عبس ، يدافع عن معاقلها ، ويغزو أعدائها .

لكن الحدث الذي سيقلب حياته ويجعل سيرته على الألسنة ، هو بسالته الشديدة في حرب داحس والغبراء الشهيرة ، حيث أبلى شجاعة منقطعة النظير ، وأثبت لقومه بل للقبائل والملوك ككل أنه الفارس الأسود الذي يتحدى بسيفه سواد الليل ، وأنياب الأسود ، بل وأعتى الشدائد والكرب .

لكن بالرغم من كل هذا ، إلا أن حساده كانوا دائما يعايرونه بسواده وعبوديته ، وفلح شفته ( تشققها ) ، مما سبب له ألما لازمه طوال حياته .

عنترة بن شدّاد العاشق

كعادة الشعراء العشاق ، أحب عنترة بنت عمه عبلة ، وقاسى العذاب والشدائد في حبه مثلما قاساه في حروبه ، بل أشد . ومن جملة هذه المصاعب أن عمه كان يأبى من عبد أسود أن يطمع في الزواج من ابنته الشريفة الأصل ، ذات النسب والعفة .

فضلّ عنترة يناجي عبلة بأشعار عذبة رقيقة ، يستعرض فيها شجاعته وبطولاته ، وبأنه يستحق أن يفوز بقلبها ، ويحكي شغفه وتعلقه بها ، وذلك في أبيات تنمّ عن كرامة نفس وأخلاق قلما تميز بها شاعر آخر .

واختلف الرواة في نهاية قصة عنترة وعبلة ، فمنهم من يقول بأن عم عنترة طلب منه 1000 ناقة مهرا لابنته ، وقد تمكن عنترة من ذلك بعد أن واجه الأهوال والصعاب ، فتاه في الصحاري ، وأسر عند الملك النعمان ، وفي النهاية تزوجها .

أشعار عنترة بن شداد

اشتهر عنترة بشعر الحماسة والفخر ، كما عرف شعره أبيات جميلة من الغزل العفيف بمحبوبته عبلة ، إذ لم تخلو أي قصيدة من التغني بها ، لكن أشهر ما في شعر عنترة معلقته الخالدة التي مطلعها .

هل غادر الشعراء من متردم  * * * * *   أم هل عرفت الدار بعد توهم

معلقة عنترة بن شداد

  نظم عنترة معلقته الميمية ، والتي يبلغ عددها نحو 79 بيتا – حسب قول المؤرخين – والباعث على نظمها أن رجلا عاير عنترة بسواده ، وسواد أمه وإخوته ، فأخذ عنترة يحاججه بمكارم أخلاقه وشجاعته ، فطال بهما الحديث حتى قال له الرجل : ” أنا أشعر منك ” . فأجابه عنترة وقال : ” ستعلم ذلك ” . ثم أنشد معلقته مفصلا فيها مفاخره .

أقسام المعلقة

على نهج شعراء عصره بقي عنترة وفياً للقاعدة الشعرية الراسخة ، والتي تقوم على الوقوف على الأطلال ، ووصف النياق ، والفخر والغزل ، وهذا ما سيعاينه المطّلع على القصيدة ، حيث يستهل عنترة معلقته بالوقوف على الديار وذكر الأحبة ومعزة الصحبة ، ثم يذكر محبوبته عبلة ويحسن وصفها ، وبعدها ينتقل إلى وصف الناقة ، لينتقل إلى غرض القصيدة وموضوعها الأساسي وهو الفخر .

بعض من أبيات المعلّقة

هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم  * * * * * * *  أم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي* * * * * * *  وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها * * * * * * *  فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

إنْ تغدفي دوني القناع فانني * * * * * * *  طبٌّ بأخذ الفارس المستلــــئم

أثني عليَّ بما علِمْتِ فإنني* * * * * * *   سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم

وإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلميَ باسلٌ * * * * * * *  مرٌّ مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقم

هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ* * * * * * *  إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي

إذ لا أزالُ على رحالة ِسابح * * * * * * *  نهْدٍ تعاوَرُهُ الكُماة ُ مُكَلَّمِ

يُخبرْك من شَهدَ الوقيعَة َأنني * * * * * * *  أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم

ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة ُ نِزَالَهُ * * * * * * *  لا مُمْعنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسلم

لما رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهُم* * * * * * *  يتذَامرونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مذَمّم

يدعون عنترَ والرِّماحُ كأنها * * * * * * *    أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهم

والخيلُ تقْتَحِمُ الخَبَارَ عوابساً * * * * * * *   ما بين شيْظمة ِ وآخر شيْظم

ذللٌ ركابي حيثُ شيءتُ مشايعي* * * * * * *   لُبِّي وأجْفزُهُ بِأَمْرٍ مُبْرَمِ

خصائص شعر عنترة بن شداد

تألم عنترة لأنه كان مستعبدا وهو الحر ، وأسود البشرة وهو الأبيض السريرة ، ومحسودا تهزأ به قبيلته وهو الكريم النفس ، ومحروما وهو المحب الخالص المحبة والعفيف في محبته .

وأكثر ما يظهر في شعر عنترة الغنائي غرض الغزل . فغزله يصدر من قلب متيم بحب عبلة حبا شريفا وشديدا جدا ، وهو لا يرغب في سواها ، وهي عالمة بهذه الرغبة الملحة الأمينة .

كما نجد أن الشعر الملحمي طاغيا في شعر وشخصية الشاعر ، حيث أراد أن يسكت حساده ، ويملأ عين عبلة فتنسى لونه وما يرميه به خصومه ، فأشاد بأمجاده في ساحات القتال وحسن بلائه في حرب داحس والغبراء .

لذا نجد أن أسلوب الملاحم هو أبرز أسلوب شعري يتميز به شعره ، فهو يبدو في حماسياته وفخرياته ذا نفس ملحمي يتجلى في الوصف والقصص وفي الجو الذي يخلقه خيال الشاعر ، كما يتجلى في موسيقاه الشعرية وألفاظه الشديدة التأثير .

طباع وشخصية عنترة بن شدّاد

لقد كان الفارس الشجاع ، والشاعر البارع مثالا للشخصية الفذة التي تملك عزة وأخلاقا قلما تميز بها شاعر آخر ، وهو بعكس الشاعر الماجن امرؤ القيس ، كان رجلا عفيفا مؤدبا ، ويتحاشى كل مواطن اللهو والدنس ، ولا يتحرش بالنساء ، وفي ذلك يقول :

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي * * * * * * *   حتى يواري جارتي مأواها

وهو الشاعر العاشق الذي يحمل في قلبه حبا عفيفا طاهرا لحبيبته عبلة ، وبأنه يرغب بها بكامل جوارحه وعواطفه وسكنات قلبه ، فيقول :

ولئن سألت بذاك عبلة خبرت * * * * * * *   أن لا أريد من النساء سواها

هذا العشق الذي جعل الشاعر يتألم ويتجرع العلقم ، لما تعرض له من الصد والهجران من عمه ، فكانت عبلة سهلا ممتنعا يجابه عنترة لأجله الأهوال ، ويبكي مرارة الفراق فتسيل أدمعه بكلمات رقيقة حارقة :

وقد أبعدوني عن حبيب أحبه * * * * * * *    فأصبحت في قفر عن الأنس نازح

ويقول أيضا :

أعاتب دهرا لا يلين لناصح * * * * * * *   وأخفي الجوى في القلب والدمع فاضحي

وهو الشاعر الأبيّ الذي يعتز بشجاعته وبسالته في ساحات القتال ، وهي رسالة يوجهها لكل حاسد ينتقصه لأجل سواد لونه ، فيقول :

إن كنت في عدد العبيد فهمتي* * * * * * *  فوق الثريا والسماك الأعزل

وبذابلي ومهندي نلت العلى * * * * * * *    لا بالقرابة والعديد الأجزل

وفاة عنترة بن شداد

توفي عنترة نحو سنة 615 م ، وله من العمر ما لا يقل عن تسعين سنة ، وأغلب الروايات تقول أنه مات قتيلا بسهم أو رمح أحد فرسان قبيلة بني طيء ، التي كان عنترة يُغير عليها دائما .

أجمل أبيات عنترة بن شداد

فلا ترْضى بمنقَصَة ٍ وَذُلٍّ  * * * * * * *  وتقنعْ بالقليل منَ الحطام

فَعيْشُكَ تحْتَ ظلّ العزّ يوْماً  * * * * * * *  ولا تحت المذلَّة ِ ألفَ عام

***

إذا كشفَ الزَّمانُ لك القِناعا  * * * * * * *  ومَدَّ إليْكَ صَرْفُ الدَّهر باعا

فلا تخشَ المنية َ وإلتقيها  * * * * * * *  ودافع ما استطعتَ لها دفاعاً

ولا تخترْ فراشاً من حرير  * * * * * * *  ولا تبكِ المنازلَ والبقاعا

وحَوْلَكَ نِسْوَة ٌ ينْدُبْنَ حزْنا  * * * * * * *  ويهتكنَ البراقعَ واللقاعا

يقولُ لكَ الطبيبُ دواك عندي  * * * * * * *  إذا ما جسَّ كفكَ والذراعا

ولو عرَفَ الطَّبيبُ دواءَ داء  * * * * * * *  يَرُدّ المَوْتَ ما قَاسَى النّزَاعا

***

إِذا لَعِبَ الغَرامُ بِكُلِّ حُرٍّ  * * * * * * *  حَمِدتُ تَجَلُّدي وَشكَرتُ صَبري

وَفَضَّلتُ البِعادَ عَلى التَداني  * * * * * * *  وَأَخفَيتُ الهَوى وَكَتَمتُ سِرّي

.

منقول عن موقع أنا البحر بتصرف

***

أُعاتِبُ دَهرًا لاَ يلِينُ لعاتبِ  * * * * * * *  وأطْلُبُ أَمْنًا من صُرُوفِ النَّوائِبِ

وتُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني  * * * * * * *  وأعلمُ حقًا أنهُ وعدُ كاذبِ

سأَصْبِرُ حَتَّى تَطَّرِحْني عَواذِلي  * * * * * * *  وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبيِ

عنترة بن شداد : الفارس العاشق  
  • views
  • تم النشر في:

    شخصيات

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=6721

اقرأ في الموقع