شرح حديث (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ )
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم متعجباً من أمر المؤمن: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).
شرح الحديث
معنى قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ المؤمن في كل أموره خيّرٌ، فإنّ أصابته نعمة في رزقه، وأهله شكر الله عليها، وإن أصابته مصيبةٌ أو ضراء في ماله، أو أهله، أو نفسه صبر ولم يسخط على الله، وإنما يرضى بقضائه.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ شكر المسلم لا يتوقّف عند حدّ قول: “الحمد لله”، و”الشكر لله”، وإنما يكون مترجماً إلى أفعال، فهو يفعل بنعم الله خيراً، وينفقها فيما يرضيه، وكيفما يحب، وبعيداً عمّا حرّم، وبهذا الشكر يكون عليه نعمتان، نعمة الدنيا بفرحته، ونعمة الدين بشكر الله عليها، وهو في نهاية المطاف يتقلّب بين مقام الشكر على النعمة، ومقام الصبر على البلاء، ويعلم أنّ كلّ ما يأتي من الله خيرٌ، وأن ما من شدةٍ إلا ستفرج، وما من حزنٍ إلا سيأتي بعده فرح.
أما الكافر فهو في كل أموره على شر، فإن أصابته ضراء لم يصبر عليها، وإنما يتضجر، ويبدأ بالدعاء بالثبور والويل، ويسبّ الدهر والزمن، وقد يصل به الأمر لسبّ الله عزو جل، كما إن أصابته سراء لم يشكر الله، ليهيأ بذلك عقابه في الآخرة، ولا بدّ من الإشارة إلى أن الكافر لا يأكل ولا يشرب إلا وكان عليه الإثم فيما أكل وشرب
بعض الاثار في ضوء حديث عجباً لأمر المومن:
“– أُتِـيَ عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه بطعام وكان صائما ، فقال : قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني كُفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وقتل حمزة وهو خير مني ، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط – أو قال – أعطينا من الدنيا ما أعطينا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام”.
“كان أحد السلف أقرع الرأس ، أبرص البدن ، أعمى العينين ، مشلول القدمين واليدين ، وكان يقول : “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق وفضلني تفضيلاً ” فَمَرّ بِهِ رجل فقال له : مِمَّ عافاك ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول . فَمِمَّ عافاك ؟
فقال : ويحك يا رجل ! جَعَلَ لي لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، وبَدَناً على البلاء صابراً !
فهذا النموذج هو ما ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام : “من يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر”.
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العبد دائما بين نعمة من الله يحتاج فيها الى شكر ، وذنب منه يحتاج فيه إلى الاستغفار ، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائما ، فإنه لايزال يتقلب فى نعم الله وآلائه ، ولا يزال محتاجا إلى التوبة والاستغفار، فالعبد يعلم أنه عبدٌ على الحقيقة، ويعلم بأنه عبدٌ لله، والعبد لا يعترض على سيّده ومولاه.
ما يستفاد من الحديث
- يجتمع للمؤمن عند السراء نعمتين، هما: نعمة حصول أمر يحبه، ونعمة التوفيق للشكر، أما عند الضراء فإنه يجتمع عليه ثلاث نعم، هي: نعمة تكفير السيئات، ونعمة هوان الضراء عليه، ونعمة كونه في إحدى مراتب الصبر.
- يحمل الإيمان صاحبه على الشكر في السراء، والصبر في الضراء، وهو في كلا الحالتين كاسبٌ للخير.
- يعتبر الشكر على الخير والسراء سببٌ من أسباب زيادة النعم، وتوفيق من الله.
- يعتبر الشكر على النعمة نصف الإيمان، والصبر على الضراء النصف الآخر له.
- يعتبر الصبر على البلاء خصلةً من خصال الإيمان، فمن يصبر عند الضراء ويحتسب أجره عند الله، وينتظر فرجه فعليه أن يعلم أنه مؤمنٌ.
- يفرح الذي ليس في قلبه إيمان إن أصابه خير، ويصل به الأمر إلى الأشر والبطر حتى يظن أن الله يحبه، وإن إصابته ضراء سخط على الله، ويئس، وحزن، وتذمّر.
- يكون المؤمن دائماً في نعمةٍ وخيرٍ من الله، وفي ذلك حثٌ على الإيمان.