تجد في هذه المقالة:
معنى آية: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها،
سورة البقرة
إنَّ سورة البقرة هي أول سورةٍ أنزلت في المدينة المنورة، وهي أطول سورة من سور القرآن الكريم حيث يبلغ عدد آياتها مئتان وستة وثمانون آية، أمَّا سبب تسميتها فيرجع إلى ذكر قصة بقرة بنو إسرائيل فيها، كما أنَّه يطلق عليها فسطاط القرآن وذلك لعظمتها وبهائها وكثرة ما جاء بها من أحكام ومواعظ
، وقد وردت في هذه السورة آية تبيِّن قدرة الله -عزَّ وجلَّ- في النسخ والتبديل، وسيتم في هذا المقال بيان معنى الآية الكريمة ومعاني مفرداتها وإعرابها وذكر سبب نزولها، واستنباط الثمرات المستفادة منها.
معنى الآية
قبل بيان معنى الآية الكريمة في قول الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، سيتم بيان معنى النسخ في الشرع، فالنسخ عبارة عن رفع حكم شرعي سابق بخطابٍ شرعيٍّ لاحقٍ متراخٍ عنه
أمَّا المعنى الإجمالي للآية الكريمة السابقة أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- إن رفع حكمٍ شرعيِّ بإبطاله أو إنسائه من القلوب من خلال نسخ الآية التي جاء بها هذا الحكم، يأتِ بآية أخرى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}، أفضل وأسهل وأنفع للمسلمين وأكثر أجرًا لهم، أو أنَّ الله يأتِ بمثلها {أَوْ مِثْلِهَا}، من حيث المنفعة والأجر، ثمَّ يختم الله -عزَّ وجلّ- هذه الآية ببيان قدرته على النسخ والتبديل، حيث يقول: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال العلماء في تفسير الآية كلٌ منهم على حدة، وفيما يأتي ذلك:
الطبري: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يحرم الحلال ويحلُّ الحرام، ويجعل المباح محظورًا والمحظور مباحًا عن طريق نسخ الآيات، وذلك بنقل حكم الآية إلى حكمٍ آخر ينزله بآية لاحقة، وهذا النسخ لا يكون إلّا في الأوامر والنواهي والمباحات وغيرها من الأحكام الشرعية، أما الأخبار التي جاءت في القرآن الكريم مثل قصص الأمم السابقة، أو الأخبار الغيبية التي ستقع في المستقبل فلا يقع فيها النسخ.
القرطبي: إنَّ النسخ في قول الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، بمعنى الإبطال والإزالة وإقامة أمرٍ آخرٍ مقامه، ويُمكن القول أنَّ معنى الآية هنا أنَّ الله -عزَّ وجلّ- ما يبطل ويزيل من حكم آيةٍ ما إلا ويقيم مقامها ما هو أفضل منها أو مثلها.
البيضاوي: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يبين أنَّ بنسخ الآية ورفعها أو إنسائها وذهابها من القلوب يكون إنتهاء التعبِّد بها أو العمل بالحكم المستفاد منها، أو بالأمرين معًا، وعند حصول النسخ فإنَّ الله يأتِ بما هو خيرٌ للمسلمين والعباد في النفع والثواب، أو بمثلها في الثواب، ثمَّ يختم الله الآية الكريمة ببيان قدرته على النسخ والإتيان بمثل الآية أو الحكم المنسوخ أو بالأفضل منه، :
أقسام الآيات المنسوخة
لا بأس في ضوء الحديث عن آية النسخ في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- وبيان معنى الآية وذكر أقوال العلماء فيها، من ذكر أقسام آيات القرآن الكريم المنسوخة، حيث تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وفيما يأتي تفصيل ذلك:
- قسمٌ رُفِع حكمه وبقيت تلاوته: وفي هذا القسم رُفِع حكم الآية وجاء حكم آخر بديلًا عنها، مثلما تغيرت مدة عدة المرأة المتوفى عنها زوجها من حولٍ كامل إلى أربعة أشهرٍ وعشرة أيام.
- قسمٌ رُفع حكمه وتلاوته: وفي هذا القسم أيضًا رُفع حكم الآية وجاء حكمًا آخر بديلًا عنها، مثلما تغيَّر حكم التحريم بالرضاعة من عشر رضعات إلى خمس رضعات.
- قسمٌ رُفعت تلاوته وبقي حكمه: وفي هذا القسم رُفِعت تلاوة الآية وإمكانية التعبَّد بها ، وبقي الحكم كما هو، مثلما رُفعت آية الرجم للشيخ والشيخة الثيبان من القرآن الكريم، لكنَّ عقوبة الرجم بقيت كما هي ولم تتغير.
سبب نزول الآية
- يرجع سبب نزول قول الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، إلى أنَّ المشركون أو اليهود اتهموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإفتراء والكذب وأنَّ القرآن الكريم إنَّما يقوله من تلقاء نفسه وليس من عند الله -عزَّ وجلَّ-، وسبب ذلك أنَّه يأمر أصحابه بأمرٍ ثمَّ يعود فينهاهم عنه، وبأنَّه يأمر بخلاف ما يقول، وفي هذه الآية تكذيبٌ لليهود الَّذين قاموا بإنكار نسخ أحكام التوراة، وترتب على ذلك جحودهم بنبوة عيسى -عليه السلام- ومحمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث أنَّهما جاءا بما يُغيِّر أحكام التوراة، كما أنَّه بين لهما بالآية التي تليها أنَّ له ملك السماوات والأرض، وأنَّ أهل الأرض جميعًا هم أهل طاعته فيأمرهم بما يشاء وينهاهم عمَّا يشاء وينسخ لهم ما يشاء ويقرُّ لهم ما يشاء وليس على خلقه إلَّا السمع والطاعة.
معاني المفردات في الآية
- ننسخ: إنَّ كلمة النسخ في اللغة لها عدَّة معاني، لكن المعنى المقصود في هذه الآية الكريمة هو إبطال الشيء وإقامة آخرٌ مقامه.
- آية: كذلك كلمة آية في اللغة لها عدة معاني والمعنى المقصود هنا هو وحدة واحدة من كلمات القرآن الكريم التي تكون جملة تفصل بينها وبين ما قبلها وما بعدها بعلامة.
- ننسها: نمحها من القلوب والحوافظ.
- بخيرٍ: اسم تفضيل بمعنى أفضل.
- مثلها: المِثل في اللغة هو الشبه والنظير.
- الله: علم للذات العليا، والجامعة لصفات الألوهية.
- قدير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه التامُّ القدرة الذي لا يُعجزه شيء.
إعراب الآية
- ما: اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم.
- ننسخ: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم.
- من: حرف جر.
- آية: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهر على آخره.
- أو: حرف عطف.
- ننسها: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والضمير المتصل “ها” مبني في محل نصب مفعول به.
- نأتِ: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن.
- بخيرٍ: الباء حرف جر وأمَّا خيرٍ اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهر على آخره.
- منها: من حرف جر، والها ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بحرف الجر.
- أو: حرف عطف.
- مثلها: اسم معطوف على مجرور مجرور مثله وعلامة جره الكسرة والها ضمير متصل مبني في محل جر بالأضافة.
- ألم: الألف همزة استفهام تقريري، ولم حرف نفي وجزم.
- تعلم: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
- أنَّ: حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد.
- الله: اسم الجلالة اسم أنَّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- على: حرف جر.
- كلِّ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
- شيءٍ: مضاف إلى مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
- قدير: خبر أنَّ مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم الظاهر على آخره.
الدروس المستفادة من الآية
- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- رحيمٌ حكيم، حيث يشرع لعباده ما يتناسب مع مصالحهم وبما فيه خيرٌ لهم، سواء أكان ذلك في النفع أم في الثواب.
- أنَّ الرجوع عن أمرِ أو إبداله بما هو أفضل لا يُنقص من قدر الله -عزَّ وجلَّ- ولا يطعن في علمه، حيث أنَّ ذلك كلَّه ما كان إلا لمصلحة الخلق.
- أنَّ إمكانية النسخ ممكنة في الشرائع بخلاف ما يدَّعيه اليهود، وأنَّ ادِّعاءهم هذا ليس إلَّا عن استكبارٍ وعنادٍ منهم.
- أنَّ الأمر كلَّه لله -عزَّ وجلَّ- وله حقَّ التصرف بما شاء كيفما شاء.
- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قادر مقتدرٌ لا يعجزه شيءٌ.
- أنَّه يجدر بالمسلم الرجوع عن أمرٍ ما أو قرارٍ قام باتخاذه إن وجد ما هو أفضل منه.