أقوال واقتباسات من كتب مصطفى المنفلوطي
من هو المنفلوطي ؟
مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المنفلوطى: نابغة في الإنشاء والأدب، انفرد بأسلوب نقي في مقالاته وكتبه. له شعر جيد فيه رقة وعذوبة.
ولد في منفلوط (من مدن الوجه القبلى بمصر) سنة 1872م من أسرة حسينية النسب مشهورة بالتقوى والعلم، نبغ فيها
. وتعلم في الأزهر، واتصل بالشيخ (محمد عبده) اتصالا وثيقا ، وسجن بسببه ستة أشهر، لقصيدة قالها تعريضا بالخديوي عباس حلمي، وقد عاد من سفر، وكان على خلاف مع محمد عبده، مطلعها:
قدوم ولكن لا أقول سعيد وعود ولكن لا أقول حميد
وابتدأت شهرته تعلو منذ سنة ١٩٠٧ بما كان ينشره في جريدة (المؤيد) من المقالات الاسبوعية تحت عنوان (النظرات) وولي أعمالا كتابية في وزارة المعارف (سنة ١٩٠٩) ووزارة الحقانية (١٩١٠) وسكرتارية الجمعية التشريعية (١٩١٣) وأخيرا في سكرتارية مجلس النواب، واستمر إلى أن توفي.
له من الكتب:
- (النظرات – ط)
- (في سبيل التاج – ط
- (العبرات – ط)
- (الشاعر أو سيرانو دي برجراك – ط)
- (مجدولين – ط)
- (مختارات المنفلوطي – ط) الجزء الأول
أقوال واقتباسات من كتب مصطفى المنفلوطي
أولاً: اقتباسات من كتاب الحجاب:
- أبواب الفخر أمامكم كثيرة، فاطرقوا أيها شئتم، ودعوا هذا الباب موصداً، فإنكم إن فتحتموه فتحتم على أنفسكم ويلاً عظيماً.. وشقاء طويلا.
- أروني رجلا واحدا منكم يستطيع أن يزعم في نفسه أنه يمتلك هواه بين يدي امرأة يرضاها، فأصدق أن امرأة تستطيع أن تملك هواها بين يدي رجل ترضاه.
- إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه وتطلبون عندها ما لا تعرفونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة أحسبكم إلا خاسرين.
- هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم، فإن عجزتم عن الرجال، فأنتم عن النساء أعجز.
- ما شكت المرأة إليكم ظلما، ولا تقدمت إليكم في أن تحلوا قيدها وتطلقوها من أسرها، فما دخولكم بينها وبين نفسها؟ وما تمضغكم ليلكم ونهاركم بقصصها وأحاديثها؟!..إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم ؛ ومضايقتكم لها ووقوفكم في وجهها حيثما سارت وأينما حلت، حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها سبيلا إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها فوق ما سجنها أهلها، فأوصدت من دونها بابها، وأسبلت أستارها، تبرماً بكم وفرارا من فضولكم، فواعجباً لكم تسجنونها بأيديكم، ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقاءها!..
- إنكم لا ترثون لها، بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها، بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرّجاً وسفورا، ويتدفق خلاعة واستهتارا، وتودون بجدع الأنف لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك.
- لقد كنا، وكانت العفة في سقاء من الحجاب موكوء، فما زلتم به تثقبون في جوانبه، كل يوم ثقبا، والعفة تتسلل منه قطرة قطرة حتى تقبض وتكرّش، ثم لم يكفكم ذلك منه حتى جئتم اليوم تريدون أن تحلّوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة.
–ثانياً : اقتباسات من كتاب العبرات:
- رَأَيْت فِيمَا يَرَى اَلنَّائِم فِي لَيْلَة مِنْ لَيَالِي اَلصَّيْف اَلْمَاضِي كَأَنِّي هَبَطْت مَدَنِيَّة كُبْرَى لَا عِلْم لِي بِاسْمِهَا وَلَا بِمَوْقِعِهَا مِنْ اَلْبِلَاد وَلَا بِالْعَصْرِ اَلَّذِي يَعِيش أَهْلهَا فِيهِ فَمَشَيْت فِي طُرُقهَا بِضْع سَاعَات فَرَأَيْت أَجْنَاسًا مِنْ اَلْبَشَر لَا عِدَاد لَهُمْ يَنْطِقُونَ بِأَنْوَاع مِنْ اَللُّغَات لَا حَصْر لَهَا فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ اِسْتَحَالَتْ إِلَى مَدَنِيَّة وَأَنَّ اَلَّذِي أَرَاهُ بَيْن يَدِي إِنَّمَا هُوَ اَلْعَالِم بِأَجْمَعِهِ مِنْ أَدْنَاهُ إِلَى أَقْصَاهُ فَلَمْ أَزَلْ أَتَنَقَّل مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان وَأُدَاوِل بَيْن اَلْحَرَكَة وَالسُّكُون حَتَّى اِنْتَهَى بِي اَلْمُسَيَّر إِلَى بِنْيَة عَظِيمَة لَمْ أَرَ بَيْن اَلنَّبِيّ أَعْظَم مِنْهَا شَأْنًا وَلَا أُهَوِّل مَنْظَرًا وَقَدْ اِزْدَحَمَ عَلَى بَابهَا خَلْق كَثِير مِنْ اَلنَّاس وَمَشَى فِي أَفْنَيْتهَا وأبهائها طَوَائِف مِنْ اَلْجُنْد يُخْطِرُونَ بِسُيُوفِهِمْ وحمائلهم جِيئَة وذهوبا فَسَأَلَتْ بَعْض اَلْوَاقِفِينَ مَا هَذِهِ اَلْبِنْيَة وَمَا هَذَا اَلْجَمْع اَلْمُحْتَشِد عَلَى بَابهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهَا قَصْر اَلْأَمِير وَأَنْ اَلْيَوْم يَوْم اَلْقَضَاء بَيْن اَلنَّاس وَالْفَصْل فِي خُصُومَاتهمْ وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى نَادَى مُنَادٍ فِي اَلنَّاس أَنَّ قَدْ اِجْتَمَعَ مَجْلِس اَلْقَضَاء فَاشْهَدُوهُ فَدَخْل اَلنَّاس وَدَخَلَتْ عَلَى أَثَرهمْ وَجَلَسَتْ حَيْثُ اِنْتَهَى بِي اَلْمَجْلِس فَرَأَيْت جَالِسًا عَلَى كُرْسِيّ مِنْ اَلذَّهَب يَتَلَأْلَأ فِي وَسَط اَلْفَنَاء تَلَأْلُؤ اَلشَّمْس فد دَارَتْهَا وَقَدْ جَلَسَ عَلَى يَمِينه.
- رَجُل يَلْبَس مُسُوحًا وَعَلَى يَسَاره آخَر يَلْبَس طيلسانا فَسَأَلَتْ عَنْهُمَا فَعَرَفَتْ أَنَّ اَلَّذِي عَلَى يَمِينه كَاهِن اَلدَّيْر وَأَنَّ اَلَّذِي عَلَى يَسَاره قَاضِي اَلْمَدِينَة وَرَايَته يَنْظُر فِي وَرَقَة بَيْضَاء بَيْن يَدَيْهِ فأكب عَلَيْهَا سَاعَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَقَالَ لِيُؤْتَ بِالْمُجْرِمِينَ فَفَتَحَ بَاب اَلسِّجْن وَكَانَ عَلَى يَسَار اَلْفِنَاء فَتَكْشِف عَنْ مِثْل خَلْق اَللَّيْث مَنْظَرًا وَزَئِيرًا وَخَرَجَ مِنْهُ اَلْأَعْوَان يَقْتَادُونَ شَيْخًا هَرِمًا تَكَاد تُسَلَّمهُ قَوَائِمه ضَعْفًا وَوَهْنًا فَسَأَلَ اَلْأَمِير مَا جَرِيمَته فَقَالَ اَلْكَاهِن إِنَّهُ لِصّ دَخْل اَلدَّيْر فَسَرَقَ مِنْهُ غرارة مِنْ غرائر اَلدَّقِيق اَلْمَحْبُوسَة عَلَى اَلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَضَجَّ اَلنَّاس ضَجِيجًا عَالِيًا وَصَاحُوا وَيْل لِلْمُجْرِمِ اَلْأَثِيم أَيُسْرَقُ مَال اَللَّه فِي بَيْت اَللَّه ? ثُمَّ نُودِيَ بِالشُّهُودِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رُهْبَان اَلدِّين فتسار اَلْأَمِير مَعَ اَلْكَاهِن هُنَيْهَة ثُمَّ صَاحَ يقاد اَلْمُجْرِم إِلَى سَاحَة اَلْمَوْت فَتَقْطَع يُمْنَاهُ ثُمَّ يَسَّرَاهُ ثُمَّ بَقِيَّة أَطْرَافه ثُمَّ يَقْطَع رَأْسه وَيَقْطَع طَعَامًا لِلطَّيْرِ اَلْغَادِي وَالْوَحْش الساغب فَجَثَا اَلشَّيْخ بَيْن يَدَيْ اَلْأَمِير وَمَدَّ إِلَيْهِ يَده اَلضَّعِيفَة اَلْمُرْتَعِشَة يُحَاوِل أَنْ يَسْتَرْحِمهُ فَضَرْب اَلْأَعْوَان عَلَى فَمه وَاحْتَمَلُوهُ إِلَى مَحْبِسه ثُمَّ عَادُوا وَبَيْن أَيْدِيهمْ فَتَى فِي اَلثَّامِنَة عَشْرَة مِنْ عُمْره أَصْفَر نَحِيل يَضْطَرِب بَيْن أَيْدِيهمْ خَوْفًا وَفَرْقًا حَتَّى وَقَفُوا بِهِ بَيْن يَدَيْ اَلْأَمِير فَسَأَلَ مَا جَرِيمَته فَقَالَ إِنَّهُ قَاتِل ذَهَب أَحَد قُوَّاد اَلْأَمِير إِلَى قَرْيَته لِجَمْع اَلضَّرَائِب فَطَالَبَهُ بِأَدَاء مَا عَلَيْهِ مِنْ اَلْمَال فَأَبِي وتوقح فِي إِبَائِهِ فَانْتَهَزَهُ اَلْقَائِد فَاحْتَدَمَ غَيْظًا وَجَرَّدَ سَيْفه مِنْ غِمْده وَضَرْبه بِهِ ضَرْبَة ذَهَبَتْ بِحَيَاتِهِ فَصَاحَ اَلنَّاس يَا لِلْفَظَاعَةِ وَالْهَوْل إِنَّ مَنْ يَقْتُل نَائِب اَلْأَمِير فَكَأَنَّمَا قَتْل اَلْأَمِير نَفْسه ثُمَّ جىء بِأَعْوَان اَلْقَائِد اَلْمَقْتُول فَأَدَّوْا شَهَادَتهمْ.
– ثالثاً: اقتباس من كتاب النظرات :
- أسن عمر بن أبي ربيعة ورأى أن الغزل والتصابي غير لائق بشيبه ووقاره عزم على هجره فما استطاع إلى ذلك سبيلا, وغُلب على أمره كما يغلب المرء على غرائزه وسجاياه، فاحتال لذلك بأن حلف ألا يقول بيتا من الشعر إلا أعتق رقبة, فشكا إليه رجل حبا برح به, فحن واهتاج ونظم أبياتا في شأن الرجل ووجده, ثم أعتق عن كل بيت رقبة.
- إنما الإحسان عاطفة كريمة من عواطف النفس تتألم لمناظر البؤس ومصارع الشقاء، فلو أن جميع ما يبذله الناس من المال ويسمونه إحسانا صادر عن تلك العاطفة الشريفة لما تجاوز محله ولا فارق موضعه.
- ليس الإحسان هو العطاء كما يظن عامة الناس، فالعطاء قد يكون نفاقا ورياء، وقد يكون أحبولة ينصبها المعطي لاصطياد النفوس وامتلاك الأعناق، وقد يكون رأس مال يتجر فيه صاحبه ليبذل قليلا ويربح كثيرا.
- فهل نذر أدباؤنا ما نذر عمر بن أبي ربيعة وهم في شرخ الشباب وإبان الفتوة؟ إن كانوا فعلوا ذلك فأسأل الله لهم قصة كقصة عمر تهيج أشجانهم فتحنث أيمانهم، والأمة كفيلة لهم بوفاء النذور وكفارات الأيمان:
وذو الشوق القديم وإن تعزى مشوق حين يلقى العاشقينا
- لم أر فيما رأيت من الآراء في قديم الأدب وحديثه أغرب من رأي أولئك القوم الذين يفرقون في أحكامهم بين اللفظ والمعنى، ويصفون كلا منهما بصفة تختلف عن صفة الآخر، فيقولون: ما أجمل أسلوب هذه القصيدة لولا أن معانيها ساقطة مرذولة، أو ما أبدع معاني هذه القطعة لولا أن أسلوبها قبيح مضطرب، كأنما يخيل إليهم أن اللفظ وعاء, وأن المعنى سائل من السوائل يملأ ذلك الوعاء، فتارة يكون خمرا، وتارة يكون خلا، ويكون حينا صافيا، وأخرى كدرا، والوعاء باقٍ على صورته لا يتغير، وما علموا أنهما متحدان ممتزجان امتزاج الشمس بشعاعها والخمر بنشوتها، فكما لا يجوز أن نقول: ما أجمل الشمس وأقبح شعاعها، ولا ما أعذب الخمرة وأمر نشوتها، كذلك لا يجوز أن نصف اللفظ بالجمال والمعنى بالقبح، أو نعكس ذلك، فليعلم الناشئ المتأدب أنه ليس للفظ كيان مستقل بنفسه، فجماله جمال معناه وقبحه قبحه، وأن القطع الأدبية التي نصف أسلوبها بالجمال إنما نصف بذلك معانيها وأغراضها، وأن الذين يزعمون من الشعراء أو الكتاب أن أساليبهم الغامضة الركيكة المضطربة تشتمل على معانٍ شريفة عالية كاذبون في زعمهم, أو واهمون.