مواقف من دفاع أبي طالب عن رسول الله
كان أبو طالب يحوّط رسول الله ، ويحميه من أذى قريش؛ فقد كان عمّه ذا منزلة عند القوم، ممّا جعله يحول بينهم وبين رسول الله ، وقد أكرمه الله -تعالى- بسبب نصرته ومؤازرته للنّبي بتخفيف العذاب عنه يوم القيامة.
وذلك لأنّه مات كافراً ولم يُسلم؛ فخفف الله عنه العذاب كرامةً للنبي ، وجزاءً على مساندته؛ ففي الصحيح عن رسول الله أنّه قال في مصير عمّه أبي طالب: (… هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ)؛ وقد ذكر أهل العلم هذا في باب أنواع شفاعة رسول الله يوم القيامة، ونذكر فيما يأتي المواقف الأبرز في دفاع أبي طالب عن رسول الله :
1- موقف أبو طالب في مقاطعة بني هاشم
علمت قريش بما فعله أبو طالب، ومن كان معه في شأن حماية رسول الله وإدخاله الشِعَب، فاجتمعوا وأجمعوا أمرهم على المقاطعة؛ فكتبوا صحيفة فيها بنود مقاطعتهم؛ بأن لا يخالطوهم، ولا يجالسوهم، ولا يتزوّجوا منهم، ولا يزوّجوهم، ولا يشتروا منهم ولا يبيعوهم؛ فما كان من أبي طالب إلا أن وقف بجانب رسول الله ، وتحمّل هذا الحصار والأذى مع المسلمين مدة ثلاث سنوات.
حتى إنّ المصادر وكتب السير تذكر مدى خوف أبي طالب على رسول الله ، من معاودة الاغتيال ومحاولات القتل؛ فكان يترك رسول الله يضجع في فراشه حتى يراه القوم من قريش، ثم يُغافلهم ويجعل أحد بنيه ينام مكان رسول الله في فراشه، وينام رسول الله في مكانٍ آخر بعيداً عن أعين القوم.
2- موقف أبو طالب في مساومة قريش للنبي
وَفَدَ جمعٌ من قريش إلى أبي طالب في بدايات دعوة رسول الله ، يشتكون له من أمر رسول الله من سبّ آلهتهم، وتسفيه أصنامهم وعبادتهم، وتضليل آبائهم، وطلبوا منه أن يكفّه عنهم، أو يسلّمه لهم؛ فردّ عليهم أبو طالب ردّاً ليناً، حتى انصرفوا عنه،
وقد بقي رسول الله مستمراً بدعوته، مقبلاً على الناس يدعوهم إلى الإسلام، فأغضب ذلك قريش حتى أكثروا من ذكره، وتآمروا عليه وعلى أصحابه.
ثمّ عاودوا القدوم إلى أبي طالب؛ وقالوا له قولاً عظّموا فيه مكانته وشرف نسبه في قريش، ثم ساوموه على رسول الله ، وطلبوا منه الكفّ أو التسليم والهلاك؛
فعزّ على أبي طالب مخالفة القوم وفراقهم، كما لم تطِبْ نفسه بخذلان رسول الله ، فأرسل إليه يعلمه بما قالت قريش، طالباً منه أنْ لا يحمله ما لا يطيق، فردّ رسول الله بأنّه لن يدع هذا الأمر، وهذه الدعوة حتى يأتيه أمر من الله -سبحانه-، أو أن يهلك في سبيله.
وقد حزن رسول الله حزناً شديداً ظاناً أنّ عمّا أبا طالب قد خذله، وبدا له اتباع قريش فيما تقول؛ فأقبل عليه عمّه حين علم حزنه، وقال له مواسيّاً: “اذْهَبْ يَا بْنَ أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا”، ثمّ أنشد قائلاً:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم . . . . . حتى أوسّد في التّراب دفينا
3- موقف أبو طالب عند مكر قريش لقتل رسول الله
لمّا عاد عمرو بن العاص من الحبشة خائباً خالي الوفاض، بعد رفض النجاشيّ تسليمه المسلمين المهاجرين إلى بلده؛ اشتدّ أذى المشركين على المسلمين في مكة المكرمة، وازداد التضييق، واشتدّ البلاء،
وبلغ المسلمون جهدهم من قريش، حتى اجتمع زعماؤهم، وعزموا أمرهم على قتل رسول الله ؛ فما كان من أبي طالب حين علم بذلك إلا أن قام بجمع بني عبد المطلب؛ مسلمهم وكافرهم، كبيرهم وفتيّهم.
ثم أعلمهم بمكر قريش، وطلب منهم أن يحموا رسول الله ، ويُدخلوه الشِعَب، ويمنعوه عن كل من أراده؛ فتوحّد القوم، وحموا رسول الله ؛ بدافع الإيمان من المسلمين، وبدافع الحميّة والقبليّة من المشركين؛ من أبناء بني عبد المطلب.
أذى قريش للنبي بعد وفاة عمه
نالت قريش من رسول الله لمّا مات أبو طالب وآذته بما لم تكن تقدر عليه في حياة أبي طالب، فكانوا يرمونه بالقاذورات ويضعون عليه التراب، حتى تجرأ عليه أبو جهل، وأقسم أنْ يطأَ عنق رسول الله ؛ ولكنّ الله -سبحانه- حمى نبيّه، وحال بينه وبين سفهاء القوم.