بحث عن الشاعر ابن الرومي : شاعر الإحساس المرهف والنظرة البائسة

من هو ابن الرومي ؟

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جورجيوس المعروف بابن الرومي ، رومي من ناحية أبيه ، فارسي من ناحية أمه ، ولد ببغداد  في 2 رجب 221هـ الموافق سنة 835 ، ونشأ مولعا بتحصيل العلم ومذاكرته ، الشيء الذي مكنه من اكتساب ثقافة واسعة النطاق .

ابن الرومي شاعر كبير من العصر العباسي، من طبقة بشار والمتنبي، شهدت حياته الكثير من المآسي والتي تركت آثارها على قصائده، تنوعت أشعاره بين المدح والهجاء والفخر والرثاء، وكان من الشعراء المتميزين في عصره، وله ديوان شعر مطبوع.

كان ابن الرومي مولى لعبد الله بن عيسى، ولا يشكّ أنّه رومي الأصل، فإنّه يذكره ويؤكّده في مواضع من ديوانه. وكانت أُمّه من أصل فارسي، وهي امرأة تقية صالحة رحيمة، كما هو واضح من رثائه لها.

عاش ابن الرومي حياة يطبعها البؤس والشقاء ، فكان فقره وسوء حظه مدعاة إلى تطيره الدائم ، وتكوّن نظرة سوداوية على الحياة ، وبالمقابل استيقاظ شهوة متأججة عنوانها حب التملك والسيطرة والأطماع الدنيوية .

نُكب ابن الرومي في أسرته ، فمات والده وهو بعد حديث السن ، ولحقه أخوه الأكبر ، والذي كان دائم العون له ، ثم توفي أبناؤه الثلاثة ، وتوفيت زوجته ، عوامل لا شك لم تزد شاعرنا إلا جزعا وتشاؤما  

ابن الرومي وعلاقته بذوي الجاه والسلطان

لم يكن ابن الرومي ذلك الشاعر الذي يجيد كسب عطف ممدوحيه من الخلفاء والوجهاء ، إذ كانت طبيعته العصبية الساخطة وغرابة أطواره ، حاجزا يحول بينه وبين التقرب إليهم ، فكانت علاقته بهم جافة .

وإن كان قد اتصل ببعض رجالات الدولة في عهد خلافة المعتضد ، إلا أنه لم ينل منهم ما يملأ رغبته في العيش الرغيد المبني على الإسراف والبذخ ، فكان دائم التشكي والسخط .

وقد سخر به الناس لغرابة أطواره ، وعبثوا به وآلموه ، فسلط لسانه اللاذع عليهم ، وهكذا ظل طوال حياته ، باحثا عن اللذات ، هاجيا كل من تعرض إليه .

وفاة الشاعر ابن الرومي

توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283 هـ / 896م،

قال العقاد “أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلى النار.

الشعر عند ابن الرومي

الأحاسيس المرهفة المتقلبة التي لا تخلو من اضطراب وتناقض ، عنوان يلخص فلسفة ابن الرومي في الحياة ، فهو الداعي للتمتع بملذات الحياة والشهوات المادية .

وهو يرى في الشعر عنوانا وبوقا للحقيقة الصارخة ، أما فلسفته الدينية فكانت أيضا تتبع العاطفة التي بدورها تخضع لفلسفة الحياة ، هذا الشذوذ الذي طال شخصيته وشعره ، مرده لطبيعة شخصيته وأصله اليوناني ، وما قاساه في حياته من بؤس وشقاء .

هذه العبقرية مكنته من أن يضع بصمته في صفحات ديوان الشعر العربي ، وتبقى أشعاره خالدة ، ومرجعا لأهل اللغة والأدب ، والتذوق الجمالي لمعاني الألفاظ والتعابير الوجدانية الرقيقة .

أغراض الشعر عند ابن الرومي

كان ابن الرومي مرهف الإحساس ، شديد العصبية ، وكان شعره مرآة لشخصيته المتقلبة والمتأثرة بتقلبات الحياة والبشر من حوله ، فخلّف آثارا متفرقة في أغراض شعره .

المدح عند ابن الرومي

لقد كان غرض المدح عند الشاعر ابن الرومي اضطرارا وسبيلا للتكسب ، فتلك كانت الوسيلة المعروفة لشعراء عصره للكسب ونيل الجوائز ، لكن نفس الشاعر المحطمة والمتقلبة ، كانت تحول دون أن ينال تلك الحظوة .

لذا تجد شعر ابن الرومي في هذا الغرض خليطا من الشكوى والتظلم ، محاولا إقناع ممدوحه بجميع الوسائل لإرغامه على العطاء .

إذا ما مدحتُ المرء يوما ولم يثب * * * * *  مديحي وحق الشعر في الحكم واجب

كفاني هجائيه قيامي بمدحه   * * * * *  خطيبا وقول الناس لي : أنت كاذب

 الهجاء عند ابن الرومي

لسان حاد مسلط كسيف قاطع على رقاب كل من طالتهم نقمة الشاعر ، فقد كان يطمح لحياة زاهية وعيش رغيد يليق بمكانته السامية في نظره ، إلا أنه لم يظفر بشيء من ذلك ، فعانى من الحرمان ، فسخط وهجا .

ثم إنه كان متطيرا ، كثير الاعتقاد بالشؤم في الأشخاص والأشياء ، يهجو كل ما يرى فيه نحسا ، وقد بالغ ابن الرومي في هجائه حتى تفوق على أبرز شعراء هذا النوع من الشعر ، وهذا دليل على اضطراب واختلال في نفسيته ، كما يؤكد النقاد والأدباء .

قال في رجل أحدب :

قصُرت أخادعه وغار قذاله  * * * * *  فكأنه متربص أن يصفعا

وكأنما صفعت قفاه مرة  * * * * *    وأحس ثانية لها فتجمعا

وقال يهجو رجلا بخيلا اسمه عيسى :

يقتّر عيسى على نفسه * * * * *  وليس بباق ولا خالد

فلو يستطيع لتقتيره  * * * * *    تنفس من منخر واحد

الرثاء عند ابن الرومي

لقد برز ابن الرومي في هذا الغرض بقوة على الرغم من قلة ما جاد به ، وينقسم رثاؤه إلى قسمان :

رثاء الأهل

برع في ترجمة ما تعانيه نفسه من مرارة الرحيل ، وألم فقدان الأحباء ، وهو في ذلك إنسان متفطر القلب ، يجعل القارئ يتأثر لعباراته الصادقة .

قال يرثي ابنه محمدا :

بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي                فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي

بُنَيَّ الذي أهْـدَتْهُ كَفَّـأيَ للثَّرَى                   فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرةالمُهدِي

ألا قاتَل اللَّه المنايا ورَمْيَـها                 من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ

تَوَخَّى حِمَامُ المـوتِ أوْسَـطَ صبْيَتي              فلله كيفَ أخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ

على حينَ شمْتُ الخيْـرَ من لَمَحَـاتِهِ            وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ

رثاء أشخاص مختلفين

تختلف درجة الرثاء وقوته عند ابن الرومي باختلاف المرثيين ، فهو الباكي المتألم على المصاب الجلل إن كان صديقا مقربا ، وهو يبكي حبه الضائع في رثائه لجارية أحبها ، وهو الذي يرثي من قتلوا من ممدوحيه وأصحابه ، ويتوعد ويهدد قاتليهم .

قال يرثي بستان المغنية :

بستان يا حسرتا على زهر  * * * * *    فيك من اللهو بل على ثمر

بستان لهفي على حسن وجهك والإحس  * * * * *  *  ان صارا معا إلى العفر

الغزل عند ابن الرومي

الغزل عند ابن الرومي تغلب عليه لغة الشهوة والجسد ، وهو في غزله ينهج نهج الأقدمين في استعاراتهم وتشبيهاتهم المعهودة ، وبالرغم من مجونه الكبير في شعره ، إلا أنه لم يخل من شعر وجداني رقيق يترجم نفسية الشاعر المضطربة .

قال ابن الرومي :

يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ  * * * * *         ففؤادي بها معنَّى عميدُ

غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ  * * * * *    ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ

أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ  * * * * *    فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ

فَهْيَ برْدٌ بخدِّها وسلامٌ  * * * * *        وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ

الوصف عند ابن الرومي

برع ابن الرومي في غرض الوصف بشكل كبير جدا ، وهذا غالب جدا في ديوانه ، وسبب ذلك عاطفة الشاعر المتأججة والمحملة بحب الحياة والجمال ، وما يملكه من خيال كبير يصف أدق التفاصيل ويبرع فيها .

اتصل الشاعر بالطبيعة وذاب في مكنوناتها ، إذ يعتبرها حياة مرتبطة بحياة الإنسان ، كم يلجأ إليها عند كل هم وحزن يلحق فؤاده .

وأظلمت الدنيا وباخ ضياؤها  * * * * *    نهارا وشمس الصحو حيرى على القمم

وأبدى اكتئابا كل شيء علمته  * * * * *    وأضعاف ما أبداه من ذاك ما كتم

وقال أيضا :

بلد صحبت به الشبيبة والصبا  * * * * *    ولبستُ ثوب العمر وهو جديد

فإذا تمثل في الضمير رأيته  * * * * *    وعليه أغصان الشباب تميد

 بحث عن الشاعر ابن الرومي
  • views
  • تم النشر في:

    نحو اللغة والأدب

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=14698

اقرأ في الموقع