خواطر وأشعار المتنبي في الحب

حشاشة نفس ودّعتْ يوْم ودّعوا   * * * * *   فلمْ أدر أيّ الظّاعنين أشيّع

أشاروا بتسْليم فجدْنا بأنْفس   * * * * *   تسيل من الآماق والسّمّ أدْمع

حشاي على جمْر ذكيّ من الهوى   * * * * *   وعيْناي في روْض من الحسن ترْتع

ولوْ حمّلتْ صمّ الجبال الذي بنا   * * * * *   غداة افترقْنا أوْشكتْ تتصدّع

بما بين جنبيّ التي خاض طيْفها   * * * * *   إليّ الدّياجي والخليّون هجّع

أتتْ زائرا ما خامر الطّيب ثوْبها   * * * * *   وكالمسْك من أرْدانها يتضوّع

فما جلستْ حتى انثنتْ توسع الخطى   * * * * *   كفاطمة عن درّها قبل ترْضع

فشرّد إعظامي لها ما أتى بها   * * * * *   من النّوْم والْتاع الفؤاد المفجّع

لما تقطعت الحمول تقطعت   * * * * *   نفسي أسى وكأنهن طلـوح

وجلا الوداع من الحبيب محاسنا   * * * * *   حسن العزاء وقد جلين قبيح

فيد مسلمة وطرف شاخص   * * * * *   وحشا يذوب ومدمع مسفوح

يجد الحمـام ولـو كوجدي لانبرى   * * * * *   شجر الأراك مع الحمام ينوح

في الخدّ أنْ عزم الخليط رحيلا   * * * * *   مطر تزيد به الخدود محولا

يا نظْرة نفت الرّقاد وغادرتْ   * * * * *   في حدّ قلبي ما حييت فلولا

كانتْ من الكحْلاء سؤلي إنّما   * * * * *   أجلي تمثّل في فؤادي سولا

أجد الجفاء على سواك مروءة   * * * * *   والصّبر إلاّ في نواك جميلا

وأرى تدلّلك الكثير محبّبا   * * * * *   وأرى قليل تدلّل ممْلولا

الحبّ ما منع الكلام الألْسنا   * * * * *   وألذّ شكْوى عاشق ما أعْلنا

ليت الحبيب الهاجري هجْر الكرى   * * * * *   من غير جرْم واصلي صلة الضّنى

بتْنا ولوْ حلّيْتنا لمْ تدْر ما   * * * * *   ألْواننا ممّا اسْتفعْن تلوّنا

وتوقّدتْ أنْفاسنا حتى لقدْ   * * * * *   أشْفقْت تحْترق العواذل بيننا

لعينيْك ما يلقى الفؤاد وما لقي   * * * * *   وللحبّ ما لم يبق منّي وما بقي

وما كنت ممّنْ يدْخل العشْق قلبه   * * * * *   ولكنّ من يبصرْ جفونك يعشق

لياليّ بعْد الظّاعنين شكول   * * * * *   طوال وليْل العاشقين طويل

يبنّ لي البدْر الذي لا أريده   * * * * *   ويخْفين بدْرا ما إليْه سبيل

وما عشْت منْ بعد الأحبّة سلوة   * * * * *   ولكنّني للنّائبات حمول

قفا قليلا بها عليّ فلا   * * * * *   أقلّ منْ نظْرة أزوّدها

ففي فؤاد المحبّ نار جوى   * * * * *   أحرّ نار الجحيم أبْردها

يا عاذل العاشقين دعْ فئة   * * * * *   أضلّها الله كيف ترْشدها

أبيات المتنبي عن الحب

ما أوجه الحضر المستحسنات به   * * * * *   كأوجه البدويات الرعابيب

حسن الحضارة مجلوب بتطرية   * * * * *   وفي البداوة حسن غير مجلوب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها   * * * * *   مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

ومن هوى كل من ليست مموهة   * * * * *   تركت لون مشيبي غير مخضوب

—-

إن التي سفكت دمي بجفونها   * * * * *   لمتدر أن دمي الذي تتقلد

قالت وقد رأت اصفراري من به   * * * * *   وتنهدت فأجبتها المتنهد

فمضت وقد صبغ الحياء بياضها   * * * * *   لوني كما صبغ اللجين العسجد

فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى   * * * * *   متأودا غصن به يتأود

عدوية بدوية من دونها   * * * * *   سلب النفوس ونار حرب توقد

هام الفؤاد بأعرابيّة سكنتْ   * * * * *   بيْتا من القلب لم تمددْ له طنبا

مظْلومة القدّ في تشْبيهه غصنا   * * * * *   مظلومة الرّيق في تشبيهه ضربا

بيضاء تطمع في ما تحت حلّتها   * * * * *   وعزّ ذلك مطْلوبا إذا طلبا

كأنّها الشّمس يعْيي كفّ قابضه   * * * * *   شعاعها ويراه الطّرْف مقْتربا

وما العشْق إلاّ غرّة وطماعة   * * * * *   يعرّض قلْب نفْسه فيصاب

وغير فؤادي للغواني رميّة   * * * * *   وغير بناني للزّجاج ركاب

أرق على أرق ومثْلي يأرق   * * * * *   وجوى يزيد وعبْرة تترقْرق

جهْد الصّبابة أنْ تكون كما أرى   * * * * *   عين مسهّدة وقلْب يخْفق

ما لاح برْق أوْ ترنّم طائر   * * * * *   إلاّ انْثنيْت ولي فؤاد شيّق

جرّبْت منْ نار الهوى ما تنطفي   * * * * *   نار الغضا وتكلّ عمّا يحْرق

وعذلْت أهْل العشْق حتى ذقْته   * * * * *   فعجبت كيف يموت من لا يعشق

وعذرْتهمْ وعرفْت ذنْبي أنّني   * * * * *   عيّرْتهمْ فلقيت فيه ما لقوا

ممّا أضرّ بأهْل العشْق أنّهم   * * * * *   هووا وما عرفوا الدّنْيا وما فطنوا

تفنى عيونهم دمْعا وأنْفسهمْ   * * * * *   في إثْر كلّ قبيح وجهه حسن

عذْل العواذل حوْل قلبي التّائه   * * * * *   وهوى الأحبّة منْه في سوْدائه

وهوى الأحبّة منْه في سوْدائه  * * * * *   ويصدّ حين يلمْن عنْ برحائه

الحبّ ما منع الكلام الألْسنا   * * * * *   وألذّ شكْوى عاشق ما أعْلنا

ليت الحبيب الهاجري هجْر الكرى   * * * * *   من غير جرْم واصلي صلة الضّنى

—–

أبْلى الهوى أسفا يوْم النّوى بدني   * * * * *   وفرّق الهجْر بيْن الجفن والوسن

روح تردّد في مثل الخلال إذا   * * * * *   أطارت الرّيح عنه الثّوْب لم يبن

كفى بجسْمي نحولا أنّني رجل   * * * * *   لوْلا مخاطبتي إيّاك لمْ ترني

نشرتْ ثلاث ذوائب من شعْرها   * * * * *   في ليْلة فأرتْ ليالي أرْبعا

واستقْبلتْ قمر السّماء بوجْهها   * * * * *   فأرتْني القمرين في وقْت معا

ردّي الوصال سقى طلولك عارض   * * * * *   لوْ كان وصْلك مثْله ما أقْشعا

يا طفلة الكف عبلة الساعد   * * * * *   على البعير المقلد الواخدْ

زيدي أذى مهجتي أزدك هوى   * * * * *   فأجهل الناس عاشق حاقدْ

حكيت يا ليل فرعها الوارد   * * * * *   فاحك نواها لجفني الساهدْ

طال بكائي على تذكرها   * * * * *   وطلت حتى كلاكما واحدْ

أحْيا وأيْسر ما قاسيْت ما قتلا   * * * * *   والبين جار على ضعْفي وما عدلا

والوجد يقوى كما تقوى النّوى أبدا   * * * * *   والصّبر ينحل في جسمي كما نحلا

لوْلا مفارقة الأحباب ما وجدتْ   * * * * *   لها المنايا إلى أرْواحنا سبلا

بما بجفْنيْك من سحْر صلي دنفا   * * * * *   يهوى الحياة وأمّا إنْ صددت فلا

فما أمرّ برسْم لا أسائله   * * * * *   ولا بذات خمار لا تريق دمي

تنفّستْ عن وفاء غير منصدع   * * * * *   يوْم الرّحيل وشعْب غير ملْتئم

قبّلْتها ودموعي مزْج أدْمعها   * * * * *   وقبّلتْني على خوْف فما لفم

قد ذقْت ماء حياة منْ مقبّلها   * * * * *   لوْ صاب ترْبا لأحيا سالف الأمم

ترنو إليّ بعين الظّبي مجْهشة   * * * * *   وتمْسح الطّلّ فوْق الورْد بالعنم

خواطر وأشعار المتنبي في الحب

اقرأ في الموقع