ظن وأخواتها
تعتبر ظن وأخواتها هي القسم الثالث من نواسخ المبتدأ والخبر، وهي كلها أفعال كـ(كان) وأخواتها، وليست أحرفا كـ(إن) وأخواتها.
و(ظن) وأخواتها من النواسخ التي تدخل على جملة المبتدأ والخبر، بعد استيفاء فاعلها، فتنصبهما على أنهما مفعولان لها، وعليه فإن الأفعال (ظن) وأخواتها مع ما تدخل عليه تشتمل على أمور ثلاثة؛ هي:
- الفاعل، فمرفوعها يسمى فاعلا لها، لا اسما لها، كما قلنا في (كان) وأخواتها.
- والمبتدأ، وهي تنصبه، ويسمى مفعولَها الأول.
- والخبر، وهي تنصبه أيضا، ويُسمى مفعولَها الثاني.
قال تعالى: ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا منْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنكُمْ كَاذبينَ
فالفعل (نظن) هنا قد رفع فاعلا، هو الضمير المستتر فيه (نحن)
ونصب المبتدأ الذي هو كاف المخاطب على أنه مفعولٌ به أول له
ونصب الخبر الذي هو (كاذبين) على أنه مفعول به ثانٍ له.
أفعال ظن واخواتها
والأفعال (ظن) وأخواتها تنقسم من حيث معناها إلى:
القسم الأول : أفعال القلوب
وسميت بذلك؛ لأنها إما أفعال يقين، وإما أفعال ظن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكل من اليقين والظن إنما يُدركان بالحس الباطن، فمعاني هذه الأفعال قائمة بالقلب متصلة به؛ كالعلم، والظن، والزعم، ونحوها، وهذه الأفعال تنقسم إلى قسمين:
- الأول: أفعال الرجحان، وهي التي تفيد ترجيح وقوع الخبر (المفعول الثاني)، وقد ؛ وهي: (ظن، حسب، خال، زعم)
- الثاني؛ أفعال اليقين، وهي التي تفيد اليقين وتحقيق وقوع الخبر (المفعول الثاني)، وقد ذكر ابن آجروم منها ثلاثة أفعال؛ هي: (رأَى، علم، وجَد)
القسم الثاني : أفعال التحويل والتصيير
وهي التي تدل على تحول الشيء وانتقاله من حالة إلى حالة أخرى، وهما فعلين؛ هما: (اتخذ، وجع)
القسم الثالث : ما يفيد حصول النسبة في السمع
وهو فعل واحد؛ هو: (سمع).
شرح أفعال ظن وأخواتها بالتفصيل
ظن:
ومثال رفعها فاعلا، ونصبها لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَظُن الساعَةَ قَائمَة﴾
فالفعل (أظن) هنا رفع فاعلا، هو الضمير المستتر (أنا)، ونصب مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر، هما: (الساعة)، وهي المفعول الأول، و(قائمة)، وهي المفعول الثاني.
حسب
وهي أيضا بنفس معنى (ظن)، ومثال رفعها فاعلا ونصبها لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر قوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرا لَكُمْ ﴾
فالفعل (تحسب) هنا رفع فاعلا، هو واو الجماعة، ونصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، هما: (الهاء)، وهي المفعول الأول، و(شرا) وهي المفعول الثاني.
خال
وهي أيضا بمعنى (ظن) ، ومثال رفع (خال) فاعلا ونصبه مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر: قول الشاعر:
إخالُك إنْ لم تغضُض الطرفَ ذا هوى * * * يسومُكَ ما لا يستطاعُ من الوجد
فالفعل (إخال) هنا فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا)، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، والمفعول الثاني هو قوله: (ذا)، منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضافٌ، و(هوى) مضاف إليه.
زعم
وهي أيضا بمعنى (ظن)، ومثال رفعها فاعلا ونصبها لمفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر، قول الشاعر:
زعمَتْني شيخا ولستُ بشيخٍ * * * إنما الشيخُ مَن يدب دبيبَا
فالفعل (زعم) هنا قد رفع فاعلا، هو الضمير المستتر (هي)، ونصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، أولهما: ياء المتكلم من (زعمتني)، والثاني كلمة (شيخا)
علم
ومثال رفعه فاعلا، ونصبه لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، قولك: علمتُ الغيبةَ محرمة،
فالفعل (علم) هنا رفع فاعلا، هو الضمير (تاء الفاعل)، ونصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر؛ هما: (الغيبة) وهي المفعول الأول، و(محرمة) وهي المفعول الثاني.
وجد
وهو بمعنى (علم واعتقد)، ومثال رفعه فاعلا، ونصبه لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، قوله تعالى:﴿ وَإنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسقينَ ﴾
فالفعل (وجد) هنا رفع فاعلا، هو الضمير (نا)، ونصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، هما: (أكثرهم)، وهي المفعول به الأول، و(لَفاسقين)، وهي المفعول به الثاني.
رأى
وهو أيضا بمعنى (علم)، وليس المراد هنا (رأى) التي بمعنى (أبصر بعينيه)، فالمراد هنا رؤية القلب التي تفيد العلم، لا رؤية العين الباصرة التي تفيد المشاهدة، فالذي ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر هو الفعل (رأى)، الذي بمعنى (علم)، وتسمى (رأى) هذه (رأى) العلمية.
ومثال عملها الرفع في الفاعل، والنصب في المفعولين، قوله تعالى: {﴿ وَنَرَاهُ قَريبا ﴾
فإن المعنى: ونعلَمُه قريبا، وليس المعنى أننا نُبصره بأعيننا قريبا، فإن هذا ليس مرادا بلا شك،
فقد تعدى الفعل (نرى) هنا إلى مفعولين، هما الهاء، وهي المفعول الأول، و(قريبا)، وهي المفعول الثاني
اتخذ
ومثال رفعه فاعلا ونصبه مفعولين: أصلهما المبتدأ والخبر، قوله تعالى: ﴿ وَاتخَذَ اللهُ إبْرَاهيمَ خَليلا ﴾
فإن الفعل (اتخذ) هنا قد رفع فاعلا هو لفظ الجلالة (الله)، وقد نصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، هما (إبراهيم) وهو المفعول به الأول، و(خليلا) وهو المفعول به الثاني.
جعل
ومثال رفعه فاعلا ونصبه مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر، قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورا ﴾
فإن الفعل (جعل) هنا قد رفع فاعلا هو الضمير (نا)، وقد نصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، هما الضمير الهاء، وهو المفعول به الأول، و(هباء)، وهو المفعول به الثاني
سمع
وهذا الفعل إما أن يدخل على: ما يُسمَع، وفي هذه الحالة لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد فقط باتفاق النحاة؛ نحو قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيْحَةَ ﴾ فـ(الصيحة) مفعول به، ولا نقول: إنها مفعول به أول؛ لأن الفعل (يسمعون) هنا إنما دخل على ما يسمع، وهو (الصيحة)، فلا يتعدى إلا إلى مفعول به واحد،
وإما أن يدخل على ما لا يُسمع؛ نحو: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، فإنه إلى الآن لم يذكر الشيء المسموع.
فإذا كان الفعل (سمع) داخلا على ما لا يسمع، فإنه قد اختلف فيه النحاة: هل يتعدى إلى مفعولين أو إلى مفعول واحد؟
على قولين:
القول الأول: أن الفعل (سمع) إذا دخل على ما لا يسمع، فإنه يتعدى إلى مفعولين، ولكن هذا القول ضعيف، بل قد نسبه بعض النحويين إلى الشذوذ.
والقول الثاني: قول جمهور النحاة، وهو أن (سمع) لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد فقط، سواء دخل على ما يسمع، أم على ما لا يسمع، وذلك لأنه من أفعال الحواس، وأفعال الحواس لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد.
وبناء على هذين القولين، فإن لك في هذا المثال المذكور – سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول – إعرابين:
الإعراب الأول: أن تكون كلمة (النبي) مفعولا به أول، وتكون جملة (يقول) المكونة من الفعل (يقول) والفاعل الضمير المستتر (هو) في محل نصب: مفعولا به ثانيا، وهذا قد ذكرت أنه قول ضعيف.
والإعراب الثاني: أن تكون كلمة (النبي) مفعولا به، بينما تكون جملة (يقول) في محل نصب، حالا من المفعول به (النبي)، وهذا هو الذي عليه جمهور النحاة، وهو الصحيح.