معنى حديث: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا
إنَّ المُتبصر في السنة النبوية والدين العظيم يعلم أنَّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى بل هو وحيٌ يُوحى، وأنَّ الأحاديث النبوية هي في المرتبة الثانية من حيث التشريع الإسلامي؛ لذلك لا بدَّ من الوقوف مع أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرحها وتفصيلها، ومن بين تلك الأحاديث ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الخيرَ عجَّلَ لَه العقوبةَ في الدُّنيا، وإذَا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الشَّرَّ أمسَك عنهُ بذنبِه حتَّى يوافيَ بِه يومَ القيامة”.
والأصل في معنى الحديث أنَّ الله يفعل ما يشاء مع عباده فالإرادة المُطلقة له -سبحانه- وكلُّ ابن آدم خطَّاءٌ وله من الذنوب ما له منها، وبذلك فإن أحبَّ الله -تعالى- عبدًا سرع له بالعقوبة في الحياة الدنيا؛ حتى يُطهره من الذنوب والمعاصي فيخرج من الحياة الدُّنيا كالثوب النقي لا تشوبه أيُّ شائبة
وقد يبقى على العبد سيئةٌ أو اثنتين فيُثقل الله على عبده عند موته حتى يخرج من الدنيا لا يحمل أيَّ إثمٍ في رقبته ولا أي ذنب.
وأمَّا من أراد الله به شرًّا وسوءًا فسيمسك عليه العقوبة في الحياة الدنيا حتى يُؤاخذ عليها في الآخرة ويُؤخذ العبد بذنبه، فإذا رأى المؤمن الطائع لربه ذلك العاصي الذي يُبارز ربه بأنواع الذنوب وقد فتح الله عليه من عطاء الدنيا فليعلم أنَّ الله أراد بها شرًّا وسوءًا ولم يرد به أي خير
فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وعقوبتها أخف ولا تُقارن شدة العقوبة في الآخرة بشدتها في الدنيا، وللبلاء أشكالٌ فقد يكون عن طريق النفس أو المال أو الأهل أو الولد أو غيرها من ألوان العقوبات.
وقد يتبادر إلى ذهن بعض العباد أن إن كان العذاب في الدنيا أخف من الآخرة وأهون فليدع ربه بتعجيل عذابه في الحياة الدنيا حتى لا يُعاقب في الآخرة، ولكنَّ ذلك عين الجهل والخطيئة، فقد لا يُطيق العبد كثرة البلاء في الدُّنيا
بل إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علَّم صحابته والأمة بأجمعها أن يسألوا الله العافية في الدين والدنيا والآخرة، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ”، فلا يصح للمسلم أن يتمنى البلاء.
وتتنوع المصائب في الدنيا فهي إمَّا لرفع الدرجات وبذلك تكون بلاءً في الحياة الدنيا، وإمَّا عقوبةً لتطهير ابن آدم من الخطايا التي اقترفها عند مخالفته أوامر الله، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ مجيء المصيبة بعد الذنب دليلٌ على عقوبة الله تعالى- المُعجَّلة،
ولا بدَّ للمسلم أن يبتعد عن بعض الأفكار التي تسولها له نفسه أنَّ ما ينزل فيه هو بلاءٌ وليس عقابًا بل عليه أن يُسارع إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.
معاني المفردات في الحديث
إنَّ الشرح لا يتمّ بشكله الصحيح ما لم يكن المُفسر على اطلاعٍ تامٍّ بمعنى المفردة وأصلها وجذرها وسياقها في الجملة، ولا بدَّ أن يتم النظر في شرح مفردات الحديث بعد أن تمَّ التفصيل في معانيه، وفيما يأتي سيكون ذلك:
- الخير: معنى الخَير أي الأفضل والأحسن.
- العقوبة: وهي مشتقة من المصدر العقاب وهو الجزء الذي يناله ابن آدم نتيجة الذنوب التي اقترفها في الحياة الدنيا.
- أمسك: أي حبس وقبض ولم يُنزل ما بيده.
- يوم القيامة: وهو اليوم الموعود الذي يبعث به الله جميع الخلائق من أجل حسابهم على ما قدموا من الأعمال.
الدروس المستفادة من الحديث
- بشرى من الله لعباده أنَّ ابتلائه لهم بالمصائب في الحياة الدنيا ليس إلا تكفيرًا عن خطيئةٍ أو رفعٍ لدرجات.
- البلاء الذي يُصيب عباد الله المؤمنين ليس دليلًا على بغضه لهم -حاشا وكلا- بل هو دليلٌ على محبته لعباده؛ حتى يخرجوا من الدنيا وقد تنقوا من الدنس.
- الصبر على أحوال الدُّنيا هو ديدن المؤمن التقي الذي يعلم أنَّ هذه الحياة الدنيا ما هي إلا محطة مرورٍ والمستقرّ عند الله.