الرازي (طبيب الفقراء)
هل ماتت الرحمة بين الناس وسيطر المال على القلوب فطرد منها حب الخير والشفقة على الناس؟
هل أصبح الإنسان يساوي ما يملك ؟ وإن كان الأمر كذلك فماذا يفعل الفقير المعدم؟
هل يسرق ليستطيع أن يعيش ؟ هل يأكل من حرام ليدفع ثمن كسائه ودوائه ؟ …
أسئلة كثيرة ظلت تتزاحم في عقل ذاك الرجل الفقير بينما يجوب الطرقات بحثا عن طبيب.
لقد ترك أباه العجوز يتلوى من الألم على فراشه طلبا للطبيب ، ولكن أنى له هذا فما من طبيب يقبل فحص أبيه المسكين؟!
وما من طبيب يرضى أن يعالجه صدقة لوجه الله ، فهو لا يملك أجرة الطبيب ، وبيته المتهدم ليس فيه ما يسد رمقه لأكثر من يوم؟! فماذا يفعل؟ هل يترك أباه فريسة لآلام تقطع أحشاءه ؟!
هل يترك المرض يفترس أباه دون أن يحرك ساكنا؟؟ لا سبيل له إلا سؤال كل الأطباء لعل الله ينزل الرحمة في قلب أحدهم فيرأف بحاله ويعالج أباه.
ظل يطرق الأبواب ويسأل الأطباء فمن يعتذر ببعد المكان ومن يعتذر بالانشغال فلا أحد يريد العمل بالمجان.
حتى أعياه البحث فجلس يبكي بجوار أحد الدور و يدعو الله ( اللهم ارحم ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس)،
فلا شيء آخر يفعله الآن سوى التضرع إلى الله.
الرازي (طبيب الفقراء)
فبينما هو على هذه الحال ؛ إذ مر به رجل فسأله عن سبب جلوسه هكذا وبكائه في قارعة الطريق ؟؟
فأخبره عن مرض أبيه ، وعجزه عن دفع أجرة الطبيب ، ورفض الأطباء معالجة المريض بلا أجر؛
فما كان من الرجل سوى أن انطلق به إلى بيت قريب و دخلاه، فطلب الرجل من الفقير الانتظار قليلا،
وبعد برهة عاد الرجل ومعه حقيبة غريبة الشكل وقال: هيا ولا تضع الوقت أرني بيتك لأفحص أباك المريض.
هنا ارتسمت علامات الدهشة والسرور على وجه الفقير ، وأصبح لا يعرف ماذا يفعل؟! وكيف يشكر الرجل؟!
ولكن الرجل ألح عليه في الطلب وكرره قائلا: هيا يا رجل لا يجب أن نترك أباك يتألم أكثر من هذا.
فأسرعا إلى بيت الفقير، وبدأ الطبيب في فحصه بدقة وسؤاله بتقص عما يعانيه بكل حب وصبر وكأن المريض أغنى أغنياء البلدة.
فلما انتهى من فحصه، طمأنهما على حاله ووصف له الدواء ، ولم يتوقف عند هذا الحد بل أعطى الابن مالا يعينه على شراء الدواء وإحضار كل ما يحتاجه أبوه ليكتمل شفاؤه.
فترقرقت دمعات من عيني الفقير وهو يقول: الحمد لله الرحيم بعباده، لقد كنت قاربت على اليأس من رحمة الناس ،
فإذا بالله يرسلك إلي ، بالله عليك يا رجل من تكون؟
قال الطبيب: أنا الرازي طبيب في بغداد جئت زائرا لصديق لي في بلدتكم، فأراد الله لي شكر بعض فضله علي بعلاج أبيك.
الفقير: الرازي؟؟؟ ألست مؤسس ورئيس المستشفى العضدي بغداد بطلب من الخليفة العباسي عضد الدولة،
يا الله كم كنت ذكيا عندما وضعت قطع اللحم في أنحاء بغداد لمعرفة المكان المناسب لبناء المستشفى.
إنك أشهر أطباء المسلمين؟! ماذا فعلت حتى أستحق هذه المكافأة من الله؟!
قال الرازي: يا رجل، إن الفقر والغنى وعلم والجهل من الله ، فسبحانه يوتي الحكمة من يشاء ،
ويبقى على الإنسان الاجتهاد في طلب العلم و شكر الله عليه ، وما فعلته مع أبيك ما هو إلا جزء من زكاة نعمة العلم التي أنعم الله بها علي فلا أستحق الشكر عليها؛
وأما ما فعلته أنت فهو برك بأبيك ورضاه عنك فليس في الدنيا أثمن من هذا الكنز ،
الفقير: الحمد لله على نعمائه، هل لي في طلب أخير أيها العالم الجليل؟
الرازي: على الرحب والسعة، ما حاجتك يا رجل؟
الفقير: إن لي جيرانا و أصدقاء على مثل حالي من الفقر و العوز، فإذا مرض أحدهم رأى من الأطباء ما رأيت ،
فهل لنا في كتاب تكتبه يعيننا على معرفة الأمراض البسيطة و كيفية علاجها ، فلا نلجأ للطبيب إلا عند الحاجة ؟
الرازي: لك هذا، إن عندي كتابا اسمه كتاب طب الفقراء ، أشرح فيه أعراض أشهر الأمراض وكيفية علاجها مما نجده في البيوت ، فإن أعطيتك إياه لتنسخه.
الفقير: بارك الله لك في علمك ، وزاده وأثابك جزيل الثواب. سأذهب معك الساعة لتعطيني الكتاب وأجمع من أستطيع من الشباب لننتهي من نسخه قبل سفرك فلا نؤخرك عن خدمة الناس.
العبرة:
البر بالوالدين نعمة تفتح لك أبواب رضا الله في الدنيا والآخرة ، والعقوق بهما يزيل ما بك من نعمة.
القصة منقولة