قصيدة صوت صفير البلبل مع شرح مفرداتها
من هو صاحب قصيدة صوت صفير البلبل؟
تُنسب هذه القصيدة إلى الأصمعي؛ إذ يُقال إنّه قد قالها في حضرة الخليفة أبي جعفر المنصور ، وهي ما يأتي:
من هو الأصمعي
الأصمعي
الأصمعي هو عبد الملك بن قُريب بن أصمع الباهلي، وُلد سنة 741م ونشأ في البصرة مهدِ اللغة العربية، فتتلمذ على يدِ كبار علماء اللغة كالفراهيدي وحماد بن زيد وغيرهم، ودفعَه حبّه للغة إلى السفر والترحال في البوادي لتعلُّم الفصاحة والبلاغة والبيان من منبعها، وقربه الخليفة الرشيد منه وجعله مؤدبًا لولده الأمين لما تمتّع به من العلم الوافر والمعرفة الواسعة بالأنساب وأخبار العرب وغريب اللغة وقد شهد له الشافعي بذلك،
وتوفّي سنة 831م بعد أن أرفد المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين مصنفًا وأبرزها الأصمعيات وهي مختاراتٌ شعريةٌ من عيون الشعر في الجاهلية والإسلام، والمقال يسلط الضوء على قصيدته صوت صفير البلبل.
أبيات القصيدة
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ * * * * * هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ
الماءُ وَالزَهرُ مَعًا * * * * * مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي * * * * * وَسَيِّدِي وَمَولى لِي
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي * * * * * غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ * * * * * مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
فَقالَ لا لا لا لا لا * * * * * وَقَد غَدا مُهَرولِ
وَالخُوذُ مالَت طَرَبًا * * * * * مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت * * * * * وَلي وَلي يا وَيلَ لِي
فَقُلتُ لا تُوَلوِلي * * * * * وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي
قالَت لَهُ حينَ كَذا * * * * * اِنهَض وَجد بِالنقَلِ
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي * * * * * قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمتُها بِأَنَفي * * * * * أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ
فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي * * * * * بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي
وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي * * * * * وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب * * * * * طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي
وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي * * * * * وَالرَقصُ قَد طابَ لِي
شَوى شَوى وَشاهشُ * * * * * َلى حِمارِ أَهزَلِ
يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ * * * * * كَمَشيَةِ العَرَنجلِ
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي * * * * * فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع * * * * * خَلفي وَمِن حُوَيلَلي
لَكِن مَشَيتُ هارِبًا * * * * * مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ * * * * * مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ * * * * * حَمراء كَالدَم دَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِيًا * * * * * مُبَغدِدًا لِلذِيِّلِ
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي * * * * * مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
نَظِمتُ قِطعًا زُخرِفَت * * * * * يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي
أَقولُ فَي مَطلَعِها * * * * * صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ
شرح أبيات القصيدة
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ * * * * * هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ
الماءُ وَالزَهرُ مَعًا * * * * * مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
يبدأ الشاعر حديثه في القصيدة عن وصف تأثره بصوت ذلك البلبل الذي أثار في نفسه لواعج الأسى والحزن والشوق للمحبوبة حتى صار قلبه ثملًا كالسكران، وكأن صوت ذلك البلبل قد أثار في نفس الشاعر ما كان قد نسيه من حب المحبوبة.
وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي * * * * * وَسَيِّدِي وَمَولى لِي
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي * * * * * غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
انتقل الشاعر بعد ذلك من وصف ذكراه للمحبوبة إلى تبجيل الخليفة ومدحه بثلاثة ألفاظ تحمل نفس المعنى وهي سيدي وسيدًا لي ومولاي، وأمَّا البيت الآخر فيتمنّى فيه الشاعر على أبي جعفر المنصور أن يعطيه بغيته، وبغيته كانت امرأة شابة صغيرة في السن، وقد شبّهها بالغزال الصغير إشارة إلى حداثة سنها، والعقيق أشار فيه إلى الحمرة في خدها.
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ * * * * * مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
فَقالَ لا لا لا لا لا * * * * * وَقَد غَدا مُهَرولِ
قد اكتشف الشاعر حمرة خدّي تلك المرأة عندما قابلها وبالغ في تقبيلها حتى احمرَّت وجنتاها، ثم هبَّت راكضة وهي تهرول وترفض أن يقوم بتقبييلها زيادة، وتكرار اللاءات هنا يفيد نفي الرغبة في إقامة علاقة معه.
وَالخُوذُ مالَت طَرَبًا * * * * * مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت * * * * * وَلي وَلي يا وَيلَ لِي
فَقُلتُ لا تُوَلوِلي * * * * * وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي
قالَت لَهُ حينَ كَذا * * * * * اِنهَض وَجد بِالنقَلِ
يذكر الشاعر في البيت الأول من هذا المقطع أنّه لما قبَّل تلك الفتاة الحسناء رأينه بعض النساء الجميلات، فتمايلن طربًا من ذلك المشهد، ولمَّا رأت الفتاة التي قبَّلها -كما ذكر في البيت الثاني من هذا المقطع- بدأت تُولول وتُطلق الصيحات العالية، فقال لها الشاعر -في البيت الثالث من المقطع- لا تولولي بل ابتسمي وأريني تلك اللآلئ من الأسنان، فقالت له -كما في البيت الأخير- لو أردت أن ترى الابتسامة تكشف عن أسناني، اذهب واطلبني من أبي وائتِ بمهري لأكون ملكًا لك.
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي * * * * * قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمتُها بِأَنَفي * * * * * أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ
فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي * * * * * بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي
وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي * * * * * وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب * * * * * طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي
وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي * * * * * وَالرَقصُ قَد طابَ لِي
شَوى شَوى وَشاهشُ * * * * * َلى حِمارِ أَهزَلِ
ترسم الفتاة هذا المشهد كعادة الفتيات عندما يردن أن ينصبن شراكًا للرجل ليقع في حبهنَّ، تقول له -كما في بيت الأول- إنَّها كانت تجلس في يومٍ من الأيَّام في مجلس وفيه الكثير من الفتيان المعجبون بها، وقدموا لها في المجلس قهوة لذيذة رائحتها كرائحة القرنفل، وهذه الأبيات مُترابطة مع بعضها ترابطًا محكمًا إذ تكمل تصوير المشهد أنها تجلس مع الفتيان في بيت ما في بستان جميل، وقد حضر الفتيان العود وصوت العود هو دن دن، وكذلك فقد أحضروا طبلًا وهو طب طب، والبيت الذي تجلس فيه -كما في البيت قبل الأخير- يصدر صوت سق سق فهو مصنوع من أشجار السفرجل، ويصدر ذات الصوت عندما تمر الريح على أوراق السفرجل.
يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ * * * * * كَمَشيَةِ العَرَنجلِ
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي * * * * * فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع * * * * * خَلفي وَمِن حُوَيلَلي
لَكِن مَشَيتُ هارِبًا * * * * * مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
ينتقل الشاعر هنا في وصفه إلى موضوع آخر، وهو يذكر أنَّ كل النَّاس يكرهونه في المدينة، ويصف بطء حماره كأنَّه يمشي على ثلاثة قوائم، والنَّاس ترجمه -كما وضح في البيت الثاني- حتى أنَّه شبّه حماره بالجمل لشدة بطئه، وقد تجمع النَّاس من حوله يرمونه بالحجارة وهو يفر هارًبا منهم كما ذكر في بيته الأخير.
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ * * * * * مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ * * * * * حَمراء كَالدَم دَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِيًا * * * * * مُبَغدِدًا لِلذِيِّلِ
ثم يُكمل أبياته قائلًا إنّه هرب منهم إلى لقاء ملك عظيم يعطيه الأعطيات من الثياب ذات اللون الأحمر كالدم، ويمشي في تلك الثياب متفاخرًا بها، متكبرًا يزهو بنفسه.
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي * * * * * مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
نَظِمتُ قِطعًا زُخرِفَت * * * * * يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي
أَقولُ فَي مَطلَعِها * * * * * صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ
ثم أخيرًا يختم الشاعر قصيدته بأبيات فخر يسطرها لنفسه، فيقول أنا الشاعر الذكي اللامع كالنجم في السماء، وقد كتبت قصيدة غاية في الجمال، وقد ابتدأتها بصوت صفير البليل.
معاني بعض المفردات
ثمل: أي أخذ منه الشراب كل مأخذ حتى سكر.
عقيق: هو الكريم من الأحجار التي تمتاز بلونها الأحمر.
القلقل: تُطلق هذه اللفظة على صوت عداء الفرس.
مبغدد: هي الزهو والتكبر في شيء ما.
المقل: وهي الجمع من مقلة، وتعني كل العين
لثم: القُبلة.
بعض الصور الفنية
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ * * * * * * * هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ
استعمل الشاعر لفظة “الثمل” للقلب كناية عن شدة سكرته، وهذه استعارة مكنية إذ لفظة الثمل خاصة بالإنسان إذا أخذه كثرة الشرب، فحذف المشبه به وهو الإنسان وذكر شيء من صفاته، وبقي المشبه وهو القلب.
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي * * * * * * * غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
شبّه الشاعر المرأة بالغزال الصغيرة للدّلالة على جمالها وصغر سنها، وهذه استعارة تصريحية فحذف المشبه وهو المرأة، وأبقى المشبه به هو الغزال.
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ* * * * * * * مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
يسترسل الشاعر في تشبيهه حمرة خدود المحبوبة بحمرة الورود، ووجه الشبه في ذلك هو الحمرة المشتركة بين الاثنين، وهو استعارة تصريحية حذف المشبه وهو الخد، والإبقاء على المشبه به وهو الورد.
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي* * * * * * * قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شبّه الشاعر القهوة في طعمها بطعم العسل، فالقهوة هي المشبه والعسل هو المشبه به، ووجه الشبه هو اللذة والكاف هي أداة التشبيه، إذًا هو تشبيه تام الأركان.
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي* * * * * * * فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
عاد الشاعر مرة أخرى لتشبيه الحمار الذي يركب عليه بالجمل البطيء، عندما قال والناس ترجم جملي، وهذه استعارة تصريحية؛ لأن الشاعر حذف المشبه وأبقى على المشبه به.
يَأْمُرُ لِي بِخَلْعَةٍ* * * * * * * حَمراء كَالدَم دَمَلي
شبّه الشاعر لون الخلعة التي سيعطيها الملك للشاعر بلون الدم القاتم، ووجه الشبه هو الحمرة بينهما، وهو تشبيه تام الأركان لذكر المشبه وهو الخلعة والمشبه به الدم، ووجه الشبه الاحمرار والأداة الكاف.
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي* * * * * * * مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
شبّه الشاعر نفسه بالنجم اللامع، وذلك للافتخار بنفسه والاعتزاز بذاته، وهذه الصورة استعارة مكنية لحذف المشبه به وهو النجم.