قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان – أبو الطيب المتنبي
نبذة عن الشاعر المتنبي
أبو الطيّب المُتنبّي واسمه أحمد بن الحسين بن عبدالصمد الجعفي الكندي الكوفي ولقبه شاعر العرب (303هـ – 354هـ) (915م – 965م)
ويعتبر أَهَمُّ شعراء العرب، وأكثرهم تمكنًا من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء.
وهو شاعر حكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ولقد قال الشعر صبيًا، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكرًا.
ووفد على سيف الدولة ابن حمدان (صاحب حلب) سنة 337 هـ فمدحه وحظي عنده. ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه. وقصد العراق،. ورحل إلى شيراز فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي
وعاد يريد الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محمد وغلامه مفلح، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي، وهو خال ضبّة بن يزيد العوني الذي هجاه المتنبي، بقصيدة شديدة الهجاء شنيعة الألفاظ و تحتوي على الكثير من الطعن في الشرف مطلعها:
مَا أنصَفَ القَومُ ضبّة وَأمهُ الطرْطبّة
وإنّما قلتُ ما قُلـ ـتُ رَحمَة لا مَحَبة
وكان في جماعة أيضًا. فتقاتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محمد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول جنوب غرب بغداد.
قصة قتله أنه لما ظفر به فاتك أراد الهرب فقال له غلامه: أتهرب وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فرد عليه بقوله: قتلتني قتلك الله.
قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ * * * * * هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ حُرّةٍ * * * * * بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ * * * * * بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ * * * * * أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت * * * * * أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ
لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ * * * * * لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرى * * * * * أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى * * * * * أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ * * * * * أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في الـ * * * * * هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد * * * * * إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ * * * * * في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ
إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدابِ الوَغى * * * * * فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ
في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ * * * * * فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ * * * * * كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ * * * * * يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحاً * * * * * يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ * * * * * يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ * * * * * تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ * * * * * وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ * * * * * وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ * * * * * عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها * * * * * تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ * * * * * مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى * * * * * راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ
المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ * * * * * ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ
مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم * * * * * مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ
يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ * * * * * أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ
خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً * * * * * وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ * * * * * وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
وَالطُرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا * * * * * وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما * * * * * يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها * * * * * فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
ما زِلتَ تَضرِبُهُم دِراكاً في الذُرى * * * * * ضَرباً كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ
خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما * * * * * جاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ
فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا * * * * * يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً * * * * * بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ * * * * * آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ * * * * * شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ * * * * * كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ * * * * * فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم * * * * * فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني * * * * * فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم * * * * * كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ * * * * * مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت * * * * * قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما * * * * * أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلى عَدنانِ
يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ * * * * * أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري * * * * * وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني