خليل مطران شاعر القطرين

خليل مطران

الشاعة الكبير خليل مُطران “شاعر القطرين” (1 يوليو 1872 – 1 يونيو 1949) شاعر لبناني شهير عاش معظم حياته في مصر. عرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، كما كان من كبار الكتاب، حد أفراد الثالوث العملاق في عالم الشعر الحديث ، إلى جانب الشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم .

عرف مطران بغزارة علمه وإلهامه بالأدب الفرنسي والعربي، هذا بالإضافة لرقة طبعه ومسالمته وهو الشيء الذي انعكس على أشعاره، أُطلق عليه لقب “شاعر القطرين” ويقصد بهما مصر ولبنان، وبعد وفاة حافظ وشوقي أطلقوا عليه لقب “شاعر الأقطار العربية”.

 مولده حياته

ولد خليل بن عبده بن يوسف مطران سنة 1872 في بعلبك بلبنان لأب مسيحي كاثوليكي ، وأم فلسطينية ، هاجر أبوها إلى لبنان فرارا من اضطهاد الحاكم العثماني له في بلده ، ولها أثر كبير في توجيهه نحو الأدب والشعر حيث كانت والدتها شاعرة ، فورث عنها هذه الصفة .

تلقى مبادئ الكتابة وأصول الحساب في مدرسة ابتدائية بزحلة ، ثم واصل تعلمه بالمدرسة البطريريكية للروم الكاثوليك ببيروت ، ومكث فيها حتى السابعة عشرة من عمره ، حيث نهل فيها اللغة العربية على يد أديب عصره ابراهيم اليازجي ، فاكتسب بذلك ثقافة عربية ممتازة .

وفي هذه المدرسة أيضا استطاع أن ينهل من اللغة الفرنسية ، ويكتسب فنونها وأساليبها ، فجمع بين الثقافتين ( العربية والفرنسية ) ، الشيء الذي نمّى من مواهبه ، واستلفت الأنظار إليه ، وخاصة عندما بدأ ينظم الأشعار ضد العثمانيين المتسلطين على حكم بلاده ، مما جعله يحرز شهرة رجل ثورة يعمل على مقاومة الظلم والاستبداد .

انتقل مطران من باريس   إلى مصر، حيث عمل كمحرر بجريدة الأهرام لعدد من السنوات، ثم قام بإنشاء “المجلة المصرية” ومن بعدها جريدة “الجوانب المصرية” اليومية والتي عمل فيها على مناصرة مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمر إصدارها على مدار أربع سنوات .

وخلال فترة إقامته في مصر عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كتاب الموجز في علم الاقتصاد مع الشاعر حافظ إبراهيم، وصدر له ديوان شعر مطبوع في أربعة أجزاء عام 1908، عمل مطران على ترجمة مسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية، كما كان له دور فعال في النهوض بالمسرح القومي بمصر.

ونظراً لجهوده الأدبية المميزة قامت الحكومة المصرية بعقد مهرجان لتكريمه حضره جمع كبير من الأدباء والمفكرين ومن بينهم الأديب الكبير طه حسين.

مراحل صعبة في حياته

اشتهر خليل مطران بخبرته في المجال الاقتصادي والزراعي ، الشيء الذي أهله للتكليف بوضع البرنامج الأساسي لبنك مصر ، كما كان يؤخذ برأيه في بعض ما له علاقة بالشؤون المالية من المذكرات القانونية ، وفي سنة 1912 ضارب بثروته فخسرها ، فكانت الصدمة عنيفة عليه مما جعله يفكر في الانتحار .

وكان تأثير ذلك جلي وواضح في نفسيته وفي أدبه ، سيما وأن مرضه المزمن زاد من سوء وضعه ، وأظلم الدنيا في عينيه ، ولنا في قصيدتي ‘ المساء ‘ و ‘ الأسد الباكي ‘ ، خير مثال للخواطر التي باح بها الشاعر في تلك الفترة .

شعره

عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة في كل من الشعر والنثر، تميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني والأصالة والرنة الموسيقية، وكما يعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، فهو أيضاً من مجددي النثر فأخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.

على الرغم من محاكاة مطران في بداياته لشعراء عصره في أغراض الشعر الشائعة من مدح ورثاء، لكنه ما لبث أن أستقر على المدرسة الرومانسية والتي تأثر فيها بثقافته الفرنسية، فكما عني شوقي بالموسيقى وحافظ باللفظ الرنان، عنى مطران بالخيال، وأثرت مدرسته الرومانسية الجديدة على العديد من الشعراء في عصره مثل إبراهيم ناجي وأبو شادي وشعراء المهجر وغيرهم.

يمكننا أن نعتبر خليل مطران شاعرا مجددا وسطيا ، فنظرته التجديدية للقصيدة العربية كانت تقضي بالخروج على نمط عمود الشعر القديم ، لكن في نفس الوقت لم ينجرف لذلك التيار التجديدي المفرط الذي نادى به شعراء المهجر ، وعلى رأسهم شاعر الثورة جبران خليل جبران ، وشاعر الأمل إيليا أبو ماضي .

يكفي أن تطلع على شعر خليل مطران ، وستجده يفوح بعبق من الهدوء والسكينة التي تغشاها عاطفة جياشة ، وأحاسيس خافقة ، فهو الشاعر الثائر على الظلم والاستبداد ، المدافع عن حق قضية وطنه وشعبه وأهله ، وهو المريض المتألم ، الذي عانى من قسوة مرض الجسد ، وصدمات متلاحقة حلت بماله وأصدقائه وحياته ككل ، مما تمخض عن هذا الألم ، شعر نابض يخفق عاطفة واختلاجات مفجعة .

متفرد بصبابتي ، متفرد  * * * * *   بكآبتي متفرد بعنائي

ثاو على صخر أصم ، وليت لي  * * * * *   قلبا كهذي الصخرة الصماء

ينتابها موج كموج مكارهي  * * * * *   ويفتّها كالسقم في أعضائي

خليل مطران شاعر القصص الملحمية

يعتبر خليل مطران أول شاعر يعنى بالشعر الملحمي القصصي ، بشكل لم يسبقه إليه أحد ، فإن كان الشعر الملحمي مقيدا بأغراض محددة كالغزل والمدح في ما مضى ، ولم يتجاوزها إلى الأسلوب القصصي ، وهو الشيء الذي اهتم به شاعر القطرين ، حيث عنى بالملحمات الشعرية البطولية ، ذات الأغراض الوطنية القومية .

/الملحمة : شعر قصصي طويل ، يدور حول البطولات والمعارك ، بأسلوب شعبي حافل بالخوارق التي تثير الإعجاب ؛ والشاعر فيها قصاص يروي الأحداث ويوجهها ، من دون مشاركة شخصية منه .

ففاجأهم هابط كالقضاء  * * * * *   في شكل غض الصبي الأمرد

يدل سناه وسماؤه  * * * * *   على شرف الجاه والمحتد

تبين هلكا فلم يخشه  * * * * *   وأقدم إقدام مستأسد

فأفرغ نار سداسيّه  * * * * *  على القوم أيا تصب تقصد

وضارب بالسيف يمنى ويسرى  * * * * *   فأين يصب مغمدا يغمد

خليل مطران الشاعر المسرحي

لقد اهتم الشاعر خليل مطران بالدراما الشعرية مثلما اهتم بالشعر الملحمي ، بل حاول أن يحاكي تجربته الملحمية على الشعر الدرامي ، وفي ذلك يقول حنا الفاخوري : ‘ ومن حسنات خليل مطران أنه أدخل على الشعر العربي فن الدراما …وآثر أن يعالج الدراما كما عالج الملحمة ، في غير تقيد بنظام المسرح ، وإن تقيد بنظام السرد ، ونظام السياق ، ونظام الحركة الحياتية في ما يقال وفي ما يفعل ‘ .

– يصور لنا الشاعر مشهد موعد للقاء فتاة بحبيبها خفية ، فيقول :

تختال في أثوابها السوداء  * * * * *   عن قطعة تمشي من الظلماء

طورا تظل وتارة تتعثر  * * * * *   وفؤادها متفزع متطير

وتكاد ، إن لمحت إشارة نور  * * * * *   تنحل مثل غياهب الديجور

 خليل مطران شاعر الطبيعة

لقد انغمست روح الشاعر في الطبيعة الساحرة ، فكان يتحدث بلسانها ، ويناجي أسرارها ، فيبدع في خلق المشاهد والأحداث ، ويبرع في وصف تجليات الطبيعة ، التي ترجمتها أحاسيسه الرقيقة ، ورؤيته العميقة للأشياء ، والتي طغى عليها الألم والحزن ، فكان ينتظر قدره المحتوم الذي يرسم في الأفق علامات من التشاؤم  .

يا للغروب وما به من عبرة  * * * * *   للمستهام وعبرة للرائي

أوليس نزعة للنهار ، وصرعة  * * * * *   للشمس بين جنازة الأضواء

أوليس طمسا لليقين ، ومبعثا  * * * * *   للشك بين غلائل الظلماء

مؤلفاته

– بشارة تقلا باشا : أقوال الجرائد – مختارات من أقواله .

– مرآة الأيام في ملخص التاريخ العام ، جزءان .

– ديوان الخليل ، في أربعة أجزاء .

– الفلاح ، حالته الاقتصادية والاجتماعية .

– مراثي الشعراء ، في رثاء محمود باشا سامي البارودي .

– التاريخ العام ، 6 أجزاء .

– الموجز في علم الاقتصاد ، في خمسة أجزاء – ترجمه بالاشتراك مع حافظ ابراهيم .

– ترجمة عدة مسرحيات لشكسبير وغيره أشهرها : عطيل – هاملت – ماكبت – تاجر البندقية .

قالو عنه

– الأديب اللبناني الدكتور ميشال جحا قام بنشر دراسة عن خليل مطران “إلى أن شوقي وحافظ ومطران، يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكرنا بالثالوث الأموي: الأخطل وجرير والفرزدق الذي سبقه بأكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، كما عاش هؤلاء الشعراء في فترة زمنيـة متقاربة، وفي كثـير من الأحيـان نظمـوا الشعر في مناسبـات واحدة، إنما خلـيل مطران يبقى رائـد الشعر الحديث”.

– قال الباحث اللبناني قاسم محمد عثمان ان ما صنعه خليل مطران في الأدب لم يصنعه أدباء عصره.

– قال عنه الشاعر صالح جودت “أنه اصدق شعراء العرب تمثيلاً للقومية العربية”.

-عبر طه حسين عن رأيه في شعر مطران وهو يخاطبه قائلاً “إنك زعيم الشعر العربي المعاصر، وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين، وأنت حميت “حافظاً” من أن يسرف في المحافظة حتى يصيح شعره كحديث النائمين، وأنت حميت “شوقي” من أن يسرف في التجديد حتى يصبح شعره كهذيان المحمومين”.

-قال عنه الشاعر العراقي المعروف فالح الحجية الكيلاني في موقعه إسلام سيفلايزيشن -الشعراء (عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة متجددة في الشعر والنثر، وتميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني الحي والأصالة العربية والنغمة الموسيقية، ويعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، ومن مجددي النثر إذ أخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.)* * * * *

– قال عنه محمد حسين هيكل “عاش مطران للحاضر في الحاضر وجذب جيله ليجعله حاضراً كذلك، فشعره وأسلوبه وتفكيره كلها حياة جلت فيها الذكرى وعظمت فيها الحيوية، ولهذا تراهم حين يتحدثون عن مطران يتحدثون عن الشعر والتجديد فيه”.

وفاته

في ظل الأزمة الخانقة التي حلت بالشاعر اليائس ، جاء الفرج ببشرى تعيينه سكرتيرا معاونا بالجمعية الزراعية الملكية ، فانتظمت شؤونه المادية واستقامت ، فانكب ينسج روائع من قصائد ملحمية لفتت إليه الأنظار ، وسجلت له الإعجاب .

أقيم له سنة 1947 مهرجان أدبي كبير بدار الأوبرا تكريما له واعترافا له بفضله في ميدان الشعر ونصرة القضايا العربية عامة ، وبعد مرور سنتين ، اشتدت عليه وطأة المرض ( النقرس ) ، ففاضت روحه في اليوم الأول من يوليو سنة 1949 ، عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما .

وكان آخر ما قاله لطبيبه : ‘ أنا أعتبر نفسي الآن قد انتهيت ، وإن كنت لا أزال أعيش ، فبقوة الإرادة ، وكل ساعة أحياها تعتبر ليست من حقي ، إنها سرقة موصوفة ! أيها الطبيب ، أريد أن أخلص ، فقد انتهيت ‘ .

مختارات من شعره

سجدوا لكسرى إذ بدا إجلالا  * * * * *   كسجودهم للشمس إذ تتلالا

يا أمة الفرس العريقة في العلا  * * * * *   ماذا أحال بك الأسود سحالا

كنتم كبارا في الحروب أعزة  * * * * *   واليوم بتّم صاغرين ضئالا

……………..

ايه آثار بعلبك سلام  * * * * *   بعد طول النهار وبعد المزار

ذكريني طفولتي وأعيدي  * * * * *   رسم عهد عن أعيني متوارى

يوم أمشي على الطلول السواجي  * * * * *   لا افترار فيهن إلا افتراري

……………..

داء ألمّ فخلت فيه شفائي  * * * * *   من صبوتي فتضاعفت برحائي

يا للضعيفين استبدا بي وما  * * * * *   في الظلم مثل تحكم الضعفاء

قلب أذابته الصبابة والجوى  * * * * *   وغلالة رثت من الأدواء

……………..

شردوا أخيارها بحرا وبرا  * * * * *   واقتلوا أحرارها حرا فحرا

إنما الصالح يبقى صالحا  * * * * *   آخر الدهر ويبقى الشر شرا

كسروا الأقلام هل تكسيرها  * * * * *   يمنع الأيدي أن تنقش صخرا

قطعوا الأيدي هل تقطيعها  * * * * *   يمنع الأعين أن تنظر شزرا

أطفئوا الأعين هل إطفاؤها  * * * * *   يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا

أخمدوا الأنفاس هذا جهدكم  * * * * *   وبه منجاتنا منكم فشكرا

……………..

دعوتك أستشفي إليك فوافني  * * * * *   على غير علم منك أنك لي آسي

فإن ترني والحزن ملء جوانحي  * * * * *    أداريه فليغررك بشري وإيناسي

وكم في فؤادي من جراح ثخينة  * * * * *   يحجبها برادي عن أعين الناس

—-

إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنى  * * * * *   في غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي

إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا  * * * * *   أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ

أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا   * * * * *  هَلْ مَسْكَةٌ في البُعْدِ للْحَوْبَاءِ

عَبَثٌ طَوَافي في الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ   * * * * *  في عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ

الشاعر خليل مطران شاعر القطرين
  • views
  • تم النشر في:

    شخصيات

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=3028

اقرأ في الموقع