أسمار القرية
نبذة عن الشاعر اليمني عبدالله البردوني
الشاعر اليمني عبد الله صالح حسن الشحف البردوني، شاعر وناقد أدبي ومؤرخ ولد في قرية البردون بمحافظة ذمار في 1929م،
فقد الشاعر اليمني عبد الله البردوني بصره عندما كان في الخامسة من عمره، بسبب إصابته بمرض الجدري المائي، كما بقت على وجهه آثار الجدري كبثور صغير، وعندما كان يسأله أحد عن اليمن، يجيب البردوني بسخرية فريدة عُرف بها (إذا أردت أن تعرف حال اليمن فانظر إلى وجهي).
ولُقب على أثر ذلك بمعرّي اليمن نسبة إلى الشاعر الأعمى أبو العلاء المعري تلقى تعليمه الأولي فيها قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة ذمار ويلتحق بالمدرسة الشمسية الزيدية المذهب.
بدأ اهتمامه بالشعر والأدب وهو في الثالثة العشرة ودأب على حفظ ما يقع بين يديه من قصائد وانتقل إلى صنعاء في أواسط العشرينات من عمره ونال جائزة التفوق اللغوي من دار العلوم الشرعية أدخل السجن في عهد الإمام أحمد بن يحيى لمساندته ثورة الدستور عام 1948.
أصدر الشاعر البردوني 12 ديواناً شعرياً من 1961 – 1994، نال فيها عدة جوائز منها جائزة شوقي للشعر في القاهرة عام 1981، وجائزة السلطان العويس في الإمارات عام 1993، وجائزة أبي تمام في الموصل عام 1971، وجائزة اليونسكو التي أصدرت عملة فضية عليها صورته عام 1982.
توفي الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني في 30 آب/أغسطس 1999م، في العاصمة صنعاء.
أسمار القرية
من صدى البيد، والشعاب الحواشد
بالمهاوي والضاريات السواهد
من مدى الموت حين تحمر فيها
شهوة الدود والقبور الزوارد
من لياليه حين مس (عليّا)
ليلة العرس أنه شر وافد
أو أتى مرشداً فأوما إليه
صاحباه أن الضحية راشد
من صخور جلودهن حراب
وكهوف عيونهن مواقد
حيث للريح والتلال عروق
من أفاع، وغابة من سواعد
وعلى المنحنى تمدّ “صياد”
للأذلاء حائطاً من أساود
ولها حافرا حمار وتبدو
مرأة، قد تزوجت ألف مارد
من ركوب السرى على كل قفر
لم ترده حتى خيالات رائد
والليالي على أكف العفاريت
نعوش، ذواهب، وعوائد
* * *
من قوى البأس قصة تلو أخرى
تصرع الوحش قبل نهضة قاعد
من سؤال عن الحجاز ورد
عن غلاء الكساء، والتبن كاسد
من خصام بين الأقارب في الوا
دي، وحرب في التل بين الأباعد
من تثني المراتع الخضر تومي
بالأغاني للراعيات النواهد
من متاه الظنون تستجمع الأسمار
شعث الرؤى، وفوضى المشاهد
بين جدرانها ركام الحكايا
من جديد القرى وأكفان تالد
وتجاعيد الشعوذات عليها
كرفات تقيأتها المراقد
وعلى كل بوحها وصداها
تتنادى زواحف ورواكد
تجمع القرية الشتات فتحوي
أمسيات من عاصفات الفدافد
وسيولاً من الفراغ المدوي
أسهلت فوقها بطون الروافد
وغناء كخفق بيت من القش
تعاوت فيه الرياح الشدائد
وبخوراً وشادياً من جليد
ونداء: كم في الصلاة فوائد
* * *
يحشر السمر الضجيج عليها
من شظايا نعش السنين البوائد
يتلاقيان كلما حشرج الطبل
وأعلى الدخان ريح الموائد
فيقصون كيف طار (ابن علوان)؟
وماذا حكى (علي بن زائد)؟
عن مدار النجوم وهي عيد
عن فم الغيب أو برق المواعد
عندما تسبل الثريا عشاء
عقدها تحبل السحاب الخرائد
وإذا الغرب واجه الصيف بالأر
ياح باعت عيالها (أم قالد)
ويعودون يغزلون من الرمل
ودود البلى، عروق المحامد
فيلوكون معجزات (فقيه)
يحشد الجن والظلام يشاهد
ومزايا قوم يصلون في الظهر
وفي الليل يسرقون المساجد
وحكايا تطول عن بائعات الخبز
كم في حديثهن مكايد
عن بنات القصور يقطرن طيباً
كرواب من الورود الفرايد
أو كصيف أجاد نضج العطايا
أو ربيع في البرعم الطفل واعد
شعرهن انثيال فجر خجول
ظله في عيونهن مراود
كلهن استمحنهم فتأبت
حكمة الطين فيهم أن تساعد
ويتوبون يستعيذون بالله
أن الإناث نبع المفاسد
ويودون لو يعود زمان
كان ثر الجنى عميم الموارد
ويسبون حجة طوت الزاد
فلاك الفراغ جوع المزاود
وتناءت أسمارهم وتدانت
مثلما تختفي الرؤى وتعاود
* * *
والتقوا ليلة عجوزاً توارت
في أخاديدها النجوم الخوامد
فابتدوا ثرثراتهم وأعادوا
ما ابتدوا من رواسب وزوائد
وعلى صمتهم تهيأ شيخ
مثلما تخفق الطيوف الشوارد
فحكى قصة تململ فيها
كل حرف، كأنه قلب حاقد
وتعالى فيها التبجح بالثأر
فهاجت مستنقعات العوائد
وتنادوا.. لبيك يا عم هيا
كلنا سائرون لا عاد واحد
إنها ساعة إليهم فكروا
عميت عنكمو العيون الحواسد
واشرأبت بيوتهم تلمح الشهب
دما في ملامح الأفق جامد
وتعايا فيها النعاس تعايي
طائر موثق الجناحين بارد
ومع الفجر ساءل السفح عنهم
جدولاً، في ترقب الفجر ساهد
فرآه يهفو، يمد ذراعيه
ويومي لها بأهداب عابد
وارتمى يحتسي عبير خطاها
ويعاني وخز الحصى ويكابد
ودنت فالتوى على صبح ساقيها
يناغي ويجتدي ويراود
من أتته؟ فلاحة مشطها الشمس
عليها من الشروق قلائد
وقميص من الندى ماج فيه
موسم، نابض الأفانين مائد
وانثنت مثلما يميس عمود
زنبقي تشتم أخبار (قائد)
وعلى فجأة تلقت خطاها
من غبار الصدى، غيوم رواعد
أي شيء جرى؟ وتصغي وتعدو
وتداري، نشيجها فيعاند
* * *
وترامت مناحة القرية الثكلى
كما يزخر انفجار الجلامد
ودنت من ترى؟ أبا طفلتيها
وهو جذع من الجراحات هامد
وعجوزاً تبكي وحيداً وأطفالاً
كزغب الحمام يبكون والد
وجريحاً يصيح أين يداي
أين رجلاي؟ هن ما كنت واجد
وشقيقاته يمتن التياعا
ويهبن له القلوب ضمائد
يرتمي يرتمين يجثو فينصبن
له من صدورهن وسائد
وعواء النجيع في الساح يدوي
يذهب الحاقدون والحقد خالد
أحمق الحمق أن تصير الكراهات
تراثاً، أو يستحلن عقائد
وعلى إثر من مضوا عادت الأسمار
تحيا على أصول القواعد
وتباهي: أردوا صغيرين منا
وقتلنا منهم ثلاثين ماجد
وتعيد الذي أعادت دهوراً
من صدى البيد والشعاب الحواشد