معنى آية ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

سورة البقرة هي سورة عظيمة تناولت الكثير من المواضيع والقضايا التي تخص المجتمع والأسرة، مثل الحديث عن أحكام الزواج والطلاق والنفقة والعدة وأحكام الرضاع كما عالجت أيضًا حكم الخطبة والتعريض بها في فترة العدّة، وفي ذلك يسأل الكثيرون عن معنى آية ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الواردة في السورة.

الاية :

قال تعالى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) )

معنى الآية  

 إنّ معنى آية ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أي أنّ الله تعالى يُخبر الرجال بأنّه لا حرج ولا أثم في التعريض بخطبة النساء المعتدّات من وفاة أزواجهن وهنّ في العدّة.

وتتكلم الآية عن التعريض فقط ولا تُبيح التصريح بالرغبة بالنكاح، وفي معنى التعريض الكثير من الأقوال والأمثلة التي ضربها أهل العلم من السلف الصالح

، حيث قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ التعريض هو قول الرجل للمرأة المعتدّة: “إنّي أُريد التزويج”، و “إنّي لأحبّ امرأة من أمرها وأمرها”، فيعرض لها بالقول بالمعروف، وقال أيضًا أنّ التعريض هو الكلام الذي لم يوضع ولم يُنصب بأصله لإرادة الخطبة بشكلٍ صريح.

وقال مجاهد: قال رجلٌ لامرأة في جنازة زوجها: لا تسبقيني بنفسك! قالت: قد سبقت، وقد كره مجاهد هذا القول،

نقل الطبري عن ابن عباس نحوًا من هذا الكلام ولم يرَ في قوله حرجًا هو وأشباهه، حيث قال في تفسير التعريض: أن يقول الرجل: “إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أنّ الله قد هيّأ بيني وبينك”، وعلّق بأنّ هذا الكلام ونحوه ليس فيه حرج.

ومن الآثار الواردة عنه أيضًا في التعريض أنّه قال: التعريض أن يقول للمرأة في عدّتها: “إنّي لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله” و “لوددت أني وجدت امرأة صالحة”، وقد شدّد على عدم التصريح بالخطبة في العدّة، حيث قال: ولا ينصب لها ما دامت في عدّتها.

ومن الأقوال الآخرى التي تمثّل لتعريض الرجل للمرأة في عدتها، قوله: “إنك لجميلة وإنّك لنافقة، وإنّك إلى خير”

 وزاد مجاهد في قولٍ آخر له أنّه يقول: “وإنّ النساء لمن حاجتي”، وعن سعيد بن جبير أنّه قال في التعريض هو قول الرجل: “إنّي أريد أن أتزوّج، وإنّي إن تزوجت أحسنت إلى امرأتي”

 وعنه أيضًا أنّه مثّل للتعريض في ترغيب الرجل للمرأة من خلال قوله لها: “لأعطينك، لأحسنن إليك، لأفعلن بك كذا وكذا”.

كما أن من الأقوال الواردة عن أهل العلم في التعريض قول الرجل للمرأة: “والله إنّي لراغب، وإنّي لحريصٌ عليك”، وعن عطاء قال: يُعرّض تعريضًا، ولا يبوح بشيء. يقول: كإنّ لي حاجة وأبشري وأنت بحمد الله نافقة”، وهي تقول: “قد أسمع ما تقول”، ولا تعده شيئًا، ولا تقول: “لعلّ ذاك”.

ونُقل عن إبراهيم النخعي أنّه قال لا بأس في تقديم الهدية في العدّة بهدف التعريض بالخطبة، وعن ابن زيد قال أنّ التعريض هو كل شيء دون العزم على النكاح، وفي الأثر عن سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة قالت: “دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي، فقال: يا ابنة حنظلة، أنا من علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحق جدي علي، وقدمي في الإسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أتخطبني في عدتي، وأنت يؤخذ عنك! فقال: أو قد فعلت! إنما أخبرك بقرابتي من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وموضعي! قد دخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أم سلمة، وكانت عند ابن عمها أبي سلمة, فتوفي عنها, فلم يزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يذكر لها منـزلته من الله وهو متحامل على يده، حتى أثر الحصير في يده من شده تحامله على يده, فما كانت تلك خطبة”.

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

قال الطبري أنّ أهل اللغة اختلفوا في المعنى اللغوي لكلمة الخطبة، حيث قال البعض هي بمعنى الذكر وقال آخرون هي التشهد، أمّا التعريض في اللغة فهو ما كان من لحن الكلام الذي يفهم به السامع الفهم ما يفهم بصريحه.

والخطبة في الاصطلاح هي التماس النكاح والرغبة في الزواج، وفي تفسير قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أنّ التعريض هو الكلام غير الصريح المتضمّن للدلالة على ما يريد، وهو التماس النكاح في العدّة من المرأة التي توفّي عنها زوجها، كأن يقول لها: “إنّك لجميلة وإنّك لصالحة وإنّ من عزمي أن أتزوّج”.

كما ذكر البغوي في تفسيره المسمّى بمعالم التنزيل أنّ التعريض بالخطب جائز في عدّة الوفاة، أمّا المعتدّة من فرقة الحياة وهي التي يكون الرجل الذي فارقته على قيد الحياة، فيُنظر حينها إن كانت لا يحلّ لها الزواج منه كأن تكون مطلقة ثلاثًا أو التي بانت بسبب اللعان أو الرضاع فإنّه يجوز التعريض لها بالخطبة.

وإن كان يجوز لها أن تعود لزوجها كأن تكون فارقته بسبب الخلع أو الفسخ، فيجوز لزوجها أن يخطبها تعريضًا أو تصريحًا، أمّا الغير فقد اختلف أهل العلم في جواز تعريضه لها بالخطبة، فقال البعض يجوز كالمطلقة ثلاثًا، وقال آخرون لا يجوز لأنّه يمكن لزوجها الأول أن يعاودها، فهي كالمعتدة من طلاق رجعي.

معنى آية وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ

اقرأ في الموقع