ماهي منافع الحج

 قال تعالى: ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم )

فإن الحج إلى بيت الله الحرام عبادة جليلة فرضها الله تعالى في كتابه الكريم فقال تعالى : ]ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ، وهو ركن من أركان الإسلام التي بني عليها قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )

 والحج هو القصد إلى بيت الله الحرام لأداء عبادة مخصوصة ذات أفعال مخصوصة في أماكن مخصوصة.

 من منافع الحج

من منافع الحج التي تدخل في عموم هذه الآية الكريمة المنافع الآتية :

 أولا – التوفيق لإكمال المسلم دعائم دينه ؛

 فإن الحج ركن من أركان هذا الدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ).

 ثانيا : تعود الانقياد والاستلام لأوامر الله عز وجل وإن لم يظهر لعقلك وجه الحكمة فيها

؛ فأنت أخي الحاج في هذا المكان المخصوص من بين بقاع الأرض كلها ،ولأداء هذه العبادة في هذا الوقت المحدد لها ، وتطوف بهذا البيت ، وتقبل هذا الحجر ، وترمي الجمرات .. كل ذلك انقيادا لأمر الله عز وجل بذلك ؛فيهون عليك تنفيذ كل الأحكام الشرعية وإن لم يظهر لعقلك وجه الحكمة منها، وتنقاد لكل ما من شأنه أن يعلي هذا الدين وإن لم يظهر لك أنت ما ظهر لغيرك في ذلك.

 ثالثا : التذكير ببعض الأمور المرحلية التي سيمر بها المرء لا محالة ،

 كالموت والبعث والجزاء فيعد لها العدة اللازمة من زاد ومركب ينجيه من مهالك الطريق ويجنبه عثراته ، وفي الحج صور مصغرة لبعض تلك الأمور المرحلية؛ فأنت بخروجك – أخي الحاج – من بلدك لابسا ثوب الإحرام ، وقد سكب الأهل العبرات عند توديعك تتذكر خروجك من بينهم من دار الدنيا إلى الدار الآخرة خروجا لا لقاء بعده في هذه الحياة فيهون عليك هذا الخروج الذي ترجو بعده اللقاء والوصال وتعد العدة لذلك السفر كما تعدها لهذا السفر ، وأنت بعد في مهلة من أمرك ؛ وبوقوفك بصعيد عرفة في هذا الجم الغفير تتذكر موقفك في الحشر حين يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ،وتدنو الشمس ويلجم الناس العرق ويشتد الكرب والخطب فتعد العدة لذلك الموقف أنت ما زلت في مهلة من أمرك.

رابعا – غفران الذنوب لمن حج هذا البيت مخلصا لله في حجة متبعا أوامر الله ومجتنبا نواهيه؛

 قال تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)

،قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله –: فمن تعجل من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه يحط الله ذنوبه إن كان قد اتقى في حجه فاجتنب فيه ما أمر الله باجتنابه وفعل فيه ما أمر الله بفعله وأطاعه بأدائه ما كلفه من حدوده ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول فلا إثم عليه لتكفير الله ما سلف من آثامه وإجرامه إن كان قد اتقى الله في حجه بأدائه حدوده “

 وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) .

 وقوله صلى الله عليه وسلم : ( رجع كيوم ولدته أمه ) يعني غفران ذنبه وأنه خرج من حجه مغفور الذنب كالمولود الذي لم يجر عليه قلم التكاليف ، وقد جاء التصريح بغفران ذنب الحاج في رواية الترمذي لهذا الحديث بلفظ : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه ).

 خامسا : الفوز بالوقوف في صعيد عرفة

 في ذلك اليوم العظيم والمكان المشهود عشية يدنو الرب جل وعلا فيباهي بأهل ذلك الموقف ملائكته ، ويغفر الذنوب ، ويصفح عن الزلات ويحقق الآمال والمطالب ، ويعتق الرقاب من النار ؛

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء )

 وأخرج مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما أري يوم بدر قيل ما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة)

، وقال أبو عمر بن عبد البر : “هذا حديث حسن في فضل شهود ذلك الموقف المبارك ، وفيه دليل على الترغيب في الحج ، ومعنى هذا الحديث محفوظ من وجوه كثيرة ، وفيه دليل على أن كل من شهد تلك المشاهد يغفر الله له إن شاء “

سادسا: نفي الفقر والذنوب

 ؛ فعن ابن مسعود t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ) ؛ وأي مطلب للمرء أغلى من نفي الفقر والآثام ، ودخول الجنة دار السلام؟.

سابعا: أن الحج موسم تجارة وحصاد عالمي

حيث المكان الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء كما نطق به قوله تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون)،إنه المكان الذي تجتمع فيه خيرات الأرض كلها ويتبادل الحجيج فيه منافع التجارة ويعقدون الصفقات المربحة.

 ويبدو من السياق الكريم والأحاديث النبوية أن الحج قد عرفته العرب سوقا عالمية ومعرضا للإنتاج والحصاد السنوي فلما أمروا بالحج على ما شرعه الله تحرجوا مما كانوا يزاولونه في هذا الموسم من أمور التجارة ورغبوا أن يكون موسما خالصا للذكر والدعاء فجاء القرآن ليرفع ذلك الحرج الكامن في نفوسهم من كل ما هو موروث جاهلي فقال تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم)،

وقد أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال-في سبب نزول هذه الآية-:” كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ) .

 وأخرج أبو داود عن ابن عباس : ( أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله سبحانه : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)

وأخرج أبو داود أيضا عن أبي أمامة التيمي قال: (كنت رجلا أكرِّي في هذا الوجه وكان ناس يقولون لي:إنه ليس لك حج فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن إني رجل أكرِّي في هذا الوجه وإن ناسا يقولون لي:إنه ليس لك حج ! فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟

قال: قلت: بلى. قال: فإن لك حجا، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية

 تاسعا : أن الحج موسم دعوي كبير

 فيه يتوافد المسلمون من كل أقطار الأرض فيجتمعون في أفضل الأيام وأطهر البقاع في جو من الرقة واللين والانكسار بين يدي الله تعالى والاطراح ببابه ليغفر الذنوب ويصفح عن الزلات ويحقق الآمال ويقيل العثرات ؛ ومؤمن بهذا الحس لا شك أنه على أتم الاستعداد لتحقيق ما يأمره به ربه  

 وقد كان سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم يغتنم هذا الموسم رغم عناد قومه واستكبارهم ومحاربتهم لدعوته وإيذائهم له من أجلها ولم يثنه ذلك عن دعوته والصدع بها ؛ لأنها دعوة أكبر من كل عناد والإيذاء من أجلها منحة وتكريم؛ أخرج الإمام أحمد في المسند عن جابر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتَّبَّع الحاجَّ في منازلهم في الموسم وبمجنة وبعكاظ وبمنازلهم بمنى يقول   (من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة)؟ فلا يجد أحدا ينصره ويؤويه حتى إن الرجل يرحل من مضر أو من اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب فيأتيه الرجل فيؤمن به فيقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم بعثنا الله فأتمرنا

عاشرا : أن الحج مؤتمر سياسي كبير

 فيه تلتقي كل الفئات المؤمنة من كل الطبقات المفكرة السياسية الفاعلة ، فلو جعلت من هذا الموسم لقاء قمم إسلامية فاعلة يتباحث فيها المجتمعون كل ما من شأنه أن يرفع الأمة من الحضيض الذي تعيشه إلى القمة السامقة لما كانت الأمة على ما هي عليه من ضعف وتأخر في كثير من الميادين ،ولهم في ذلك أسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يلتقي في هذا الموسم بمن آمن به فالتقى فيه بالأنصار ثلاث مرات حتى كانت بيعة العقبة الكبرى وما كان فيها من عهود ومواثيق غيرت مجرى تاريخ البشرية جمعاء ، وهم يومئذ قلة كما في حديث جابر المتقدم : ( ثم بعثنا الله فأمترنا واجتمعنا سبعون رجلا منا فقلنا حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة ..).

 وإذا كان هؤلاء على قلتهم قد حملوا أمر الدعوة وأعلوا من شأنها وغيروا بها مجرى تاريخ البشرية جمعاء في فترة وجيزة فكيف بهذه الملايين لو وجدت من يدعوها دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ويسوسها بسياسته ، ويذكي في نفوسها حرارة الإيمان وعزته ويبين لها أنها حلقة من تاريخ مجيد .

 ولقد كان الحج في عهد الخلفاء وأيام وحدة الأمة موسما يلتقي فيه الخلفاء بأمراء الأمصار وقادة الجيوش فترفع التقارير إلى الخلفاء وذوي الرأي والمشورة ليتخذوا فيها القرارات المناسبة ؛ فظلت الأمة مرهوبة الجانب ، وظل الحج مصدر خوف وقلق لأعداء الأمة ؛ لما يمثله للأمة من وحدة يرهبها الأعداء ويهابونها.

الحادي عشر: أن الحج مؤتمر اجتماعي فريد

 يربي في النفوس كل المعاني الاجتماعية التربوية ؛ ففيه ترى التعاون والمواساة وحنو الغني على الفقير ورحمة القوي بالضعيف والكبير بالصغير ،والتجرد الكامل من مظاهر الفوارق الطبقية الدنيوية ، فالكل في صعيد واحد متجه إلى الله عز وجل بكل ذل وفقر وحاجة قد خلع الجاه والأوسمة والمناصب الدنيوية؛ فتذوب تلك الفوارق ولو إلى حين فيستفيد المسلمون من دروسها العبر والتوجيهات التربوية الفريدة.

 وفي الحج يجتمع هذا الحشد الهائل من كل طبقات الناس وأجناسهم فتزدحم بهم الطرقات وتغص بهم الأماكن العامة والخاصة ومع ذلك فلا شجار ولا جدال ولا رفث ولا فسوق ولا تنافر فالكل مبتسم لأخيه فرح بوجوده إلى جانبه في هذه العبادة العظيمة فلا تسمع إلى قول قائلهم عن هذا البيت المزدحم بالناس : ” زاده الله شرفا”.

 ماهي منافع الحج؟

اقرأ في الموقع