تجد في هذه المقالة:
ما هي بيعة الرضوان
ماذا نعني ببيعة الرضوان وسبب التسمية
أُطلِق هذا المُسمّى على مُبايعة الصحابة للنبيّ؛ لأنّهم بذلوا أنفسهم نصرة لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سبيل الدعوة إلى توحيد الله -سبحانه وتعالى-، أمّا لفظ الرضوان فهو من الرضا؛ وسُمِّيت بهذا المُسمّى؛ لأنّ الله أنزل في كتابه قوله:(لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
ويُشار إلى أنّ أحداث بيعة الرضوان تمّت في بدايات شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، في منطقة الحديبية*.
سبب بيعة الرضوان
رأى النبيّ الكريم يُريه الله -عزّ وجلّ- رؤيا حقٍّ في منامِه ثمثّلت في أنّه كان يَشُدّ رِحاله معتمِراً مع أصحابه إلى مكّة المكرّمة، ويطوف بالكعبة المشرّفة
فأخبر أصحابه بذلك، وأمرهم أن يتأهّبوا لشَدّ ركاب السفر إلى مكّة المكرّمة، فتجهّزوا للرحلة، واستخلف على مدينة ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه-، آخذاً معه أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها-، وانطلقوا إلى العمرة في ما يفوق ألف رجلٍ دون سلاح الحرب، وبسلاح السفر فقط.
عَلِمَت قريش في تلك اللحظات بأخبار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين بشأن خروجهم إلى مكّة، فأعدّت العدّة وعقدت جلسةً جماعيّةً تقضي بدفع المسلمين عن مكّة، وعدم السماح لهم بدخولها، وأرسلت مبعوثيها إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ كي يتراجع عن قراره في دخول مكّة.
إلّا أنّ بعض شباب قريش قرّروا التهيّؤ لقتال المسلمين، وإشعال الحرب؛ فما كان منهم إلّا أن تسلّلوا بغتةً إلى مكان تجمّع المسلمين، وأثاروا دوّامة الشرار، فتمّ صدّهم وأسرهم، حتّى جاءهم عفو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بإطلاق سراحهم؛ لأنّه كان ينوي خيراً بالتّفاوض مع قريش، والوصول إلى حلٍّ يُرضي الطّرفين.
خروج عثمان إلى قريش
اختار النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أحد صحابته؛ ليكون سفيراً إلى قريش؛ للتفاوض معهم وإقناعهم في أمر دخول بيت الله الحرام أداءً للعمرة، فاختار ابتداءً عمر -رضي الله عنه-، إلّا أنّه اعتذر لافتقاره إلى من ينصره من أهله في مكّة
فاختار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عثمان؛ لمكانته -رضي الله عنه- عند قريش وأهلها، وبعثه إليهم سفيراً يخبرهم بنوايا المسلمين في أداء نُسك العمرة، والطواف بالبيت، وأمره أن يدخل إلى رجالٍ مؤمنين ونساءٍ مؤمنات في مكّة، ويُبلغهم بنصرة الله تعالى لدينه، ولنبيّه، وللمسلمين
فدعا -رضي الله عنه- قريش إلى الإسلام كما أوصاه النبيّ، إلّا أنّهم رفضوا، وسَمَحوا لعثمان أن يطوف بالكعبة وحده، فأبى إلا أنْ يطوف مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أوّلاً، فاحتجزوه أسيراً عندهم؛ إِمعاناً منهم في الرفض، والصدّ، والمجابهة،
خبر مَقْتل عثمان
طالت غيبة عثمان -رضي الله عنه- حتى أُشِيع خبر مقتله ، وصل النبأ إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فدعا صحابته -رضي الله عنهم-، وثار الكلام بينهم حتى تمّت البيعة على الجهاد في سبيل الله؛ إعلاءً لكلمة الحقّ والدين
فأخذ الصحابة -رضي الله عنهم- يبايعون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واحداً تِلو الآخر على الموت في سبيل الله تعالى ، وأثنى الله -عزّ وجلّ- عليهم في كتابه، ورضي عنهم؛ فقال -عزّ وجلّ-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،
شروط بيعة الرضوان
– بايع المسلمون رسولهم -صلّى الله عليه وسلّم- على عدم التولّي عند نداء الموت للجهاد في سبيل الله تعالى ، مُهيّئين أنفسهم للنصر المبين، أو الشهادة لله ربّ العالمين،
– بلغ عدد المُبايعين تحت الشجرة ما يقارب ألفاً وأربعمئةٍ، وقِيل ألفاً وخمسمئة مبايعٍ
– أما الشجرة التي تمّت تحتها بيعة الرّضوان فقد اندثرت وزال أثرها، وذكر ابن حجر أنّ الرّوايات بشأنها تشير إلى أحد أمرين: الأول: أنّ الله تعالى أنسى الصحابة مكانها وأخفاه عنهم، وقد عُمّيَ مكانها على من قصدها بعد البيعة، والثاني: أنّ عمر -رضي الله عنه- بلغه أنّ قوماً يأتون الشجرة فيُصلّون عندها؛ فأمر بقطعها؛ فقطعتْ حتى لا يُفتتن النّاس بها.
– بيعة النبيّ لنفسه عن عثمان: فقد بايع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نفسه بيده اليمنى عن عثمان ضارباً بيده الأخرى، ذلك أنّ عثمان لو كان فيهم تحت الشجرة، لبايع النبيّ ولما تردّد في ذلك، فتغيّبه عن البيعة كان بسبب إشاعة مقتله، ولم يكن رجلٌ في بطن مكّة وشِعابها يستطيع القيام بتلك المهمّة إلا عثمان.
فضل أهل بيعة الرضوان
يتمثّل فضل أهل بيعة الرضوان بثلاثة أمورٍ، بيانها فيما يأتي:
1- ثناء الله تعالى عليهم بحصولهم على رضاه؛ حيث قال الله تعالى : (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا*وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا*وَعَدَكُمُ اللَّـهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا* وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّـهُ بِهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).
2- دخولهم الجنان، وعِتقهم من النيران؛ ثواباً لموقفهم مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ وذلك لما أخبر به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، من أنّه لا يدخل أحد من أهل البيعة النار، وفي ذلك أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ مبشر الأنصاريّة -رضي الله عنها- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: {وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها} فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا}).
3- خير أهل الأرض، كما ثبت في صحيح الإمام البخاري عن الصحابي جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (قالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ: أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وكُنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كُنْتُ أُبْصِرُ اليومَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَهُ الأعْمَشُ، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ)؛
فقد بلغوا أعظم الرضا من ربّهم، واستحقّوا هذه المكانة العليّة التي خلّدها القرآن الكريم، بمن فيهم نبيّهم -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد نالوا هم وأصحاب غزوة بدر تلك السكينة والمغفرة من الله -سبحانه-.