استودعته ربي فحفظه لي .. قصة رائعة جداً
عَزم قوم من أهل الثراء في بلاد العراق على الحج
فأرادوا أن يصحبهم من يقوم على خدمتهم فأشاروا عليهم برجل خدوم طباخ خفيف الظل لم يحجّ
فعرضوا عليه أن يصحبهم ويخدمهم فيصنع طعامهم ويقضي حوائجهم وتكون أجرته الحجّ معهم،
فوافق فرحاً بهذا العرض السخيّ، وكان الحج من أمانيه التي حال بينه وبينها الفقر، وتم هذا
وسلكوا طريقهم للحج وعندما وصلوا مكة استأجروا بيتاً وخصصوا فيه حجرة تكون مطبخاً ومسكن للطباخ
وبدأ الطباخ بالعمل جاداً فرحاً،
وفوجئ ذات يوم . . وهو يدق بالهاون [1]وهي آلة تدق بها الحبوب القاسية
أن الأرض تُطَبْطِبُ لها صدى وتهتز وتوحي بأنّ شيئاً مدفوناً في قعرها، ودعته نفسه أن يبحث عن المُخبَّأ فلعل رزقاً ينتظره في جوف الأرض، وكانت المفاجأة السعيدة:
الذهب الأحمر في صندوق صغير من الحديد
التفت يمنة ويسرة لئلا يكون أحد قد اطلع على الرزق المستور، وبعد تفكير .. . . . رأى أن يعيده مكانه
حتى يأذن القوم بالرحيل فيأخذه معه، ويخفيه عنهم ،
وبدأ مع تلك الساعة سيل الأفكار والأماني،ماذا يصنع بهذا المال وكيف سيودّع أيام الفقر والحاجة،
فلما آذنوا بالرحيل جعل الصرّة بين متاعه وحملها على جمله وأحكم إخفاءها وخبرها،
وسار القوم وصاحبنا لا يشعر بمشقة السفر ولا بالضيق من بعد الطريق ،
والأماني تحوم حول رأسه والخوف الشديد يحاصره شفقة على المال من الزوال.
عندما وصلوا منطقة قرب بغداد نزلوا ليرتاحوا،
ونزل صاحبنا وبدأ عمله المعتاد في الخدمة والطبخ، وفجأة
شرَدَ جمل الخادم 🐪بما حمل، فتسارع القوم لردّه وكان أشدّهم في ذلك صاحبه ، ولكنّ الجمل🐪 فات على الجميع ولم يدركه أحد فعاد الناس بالخيبة،
تأثر الخادم حتى بلغ الأمر حدّ البكاء الذي لا يليق بثبات الرجال.
لما رأى أصحابه منه هذا الجزع طمأنوه ووعدوا أن يضمنوا جمله ويعوضوه خيراً منه وخيراً مما عليه، لكنه أبدى لهم بأنّ عليه أشياء لا يمكنه الاستغناء عنها وهدايا وتحفاً اشتراُها من مكة والمدينة لأهله، وهذا سبب حزنه، لكن القوم لم يلتفتوا لما أصابه وطلبوا الرحيل لمواصلة المسير والتعجّل إلى الأهل ، ورَضخ مُكرهاً لطلبهم وسار معهم حتى وصل بلده مغموما من ذهاب الذهب وفقدان الأمل.
وبعدها بعام…. رغب آخرون من الأثرياء الحجّ وسألوا عمّن يرافقهم ويقوم بخدمتهم فأوصاهم الأوّلون بصاحبنا ومدحوه لهم،
وأثنوا على عمله خيراً، وفي طريقهم للحج نزلوا منزلاً قريباً من المنزل الذي فقد فيه صاحبنا جمله.
ولما ذهب لقضاء حاجته تذكر العام الماضي والجمل والصندوق وتداركته الحسرة والندم
وبعدها مرّ ببئر مهجورة فأطلّ فيها فوجد في قاعها أثر تأجج ضوء عكسه نور القمر وهو يلمع فحباه التطفل لينزل البئر
فنزل والأمل يحدوه أن يكون ذهب او دنانير ذهبيه تعوضه عن العام الماضي
فلما نزل قاع البئر وجد عظام جمل قد نزع لحمه ومتاع لم تفارق ذاكرته فوجده بالفعل جمله ميتا قد بليت عظامه
وأما المتاع وكيس الذهب بحاله لم ينقص منهما شيء، أخذ الذهبوأخفاه وعادت إليه أفراحه وأمانيه،
وسكن مع أصحابه في البيت نفسه واتخذ من الحجرة التي خصصت له مطبخاً ورأى أن يعيد المال إلى مكانه ريثما ينتهي الحج فيأخذه مرة أخرى.
في تلك الأيام جاء صاحب البيت وطلب أن يأخذ شيئاً من البيت فأذنوا له، فدخل حجرة صاحبنا وقصد إلى موضع الصندوق فحفر ثم أخرج الصندوق
كان الطباخ ينظر إليه وهو في غاية الذهول، فلمّا رآه قد عثر عليه وأخذه استوقفه قائلاً له: ما هذا الذي أخذت؟
قال صاحب البيت ..ذهب كنت خبّأته في هذا الموضع من سنين وقد احتجته اليوم وجئت لآخذه.
لم يتمالك صاحبنا نفسه أن قال له: وهل تعلم أن مَالَكَ هذا قد وصل إلى أطراف بغداد ثم عاد إلى هذه البقعة لم ينقص منه شيء.
قال صاحب البيت : والله لو طاف الأرض كلها لعاد إلى مكانه وما ضاع منه شيء لأني أزكيه كل عام لا أترك من زكاته شيئا ، واستودعته ربي فمن استودع ربه شيئا حتما انه سيحفظه له والله يحفظه لي..
القصة منقولة
المصادر والمراجع والتعريفات
↑1 | وهي آلة تدق بها الحبوب القاسية |
---|