قصص الكرم في الاسلام
كرم الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أنس – رضي الله عنه – قال : ما سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الإسلام شيئا إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال :
يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر . وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها ( رواه مسلم ) .
–
إكرام الصديق
يحكى أن رجلا ذهب يطلب مساعدة من صديق له فأعطاه الرجل كل ما معه من مال، وبعد أن انصرف رأت الزوجة على وجه زوجها ( الذي أعطى ) علامات الضيق والحزن، فقالت له : هل ندمت على ما أعطيت صديقك من مال ؟
فقال لها : إني حزين لأنني لم أسأل عنه منذ زمن بعيد، ولم أتفقد أحواله، حتى احتاج أن يسألني .
–
وكان طلحة بن عبيد الله تاجرا واسع التجارة عظيم الثراء، فجاءه ذات يوم مال من ” حضرموت ” مقداره سبعمائة ألف درهم، فبات ليلة وجلا جزعا محزونا، فدخلت عليه زوجته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وقالت: ما بك يا أبا أحمد ؟ لعله رابك منا شيء .
فقال : لا، ولنعم حليلة الرجل المسلم أنت، ولكن تفكرت منذ الليلة وقلت : ما ظن رجل بربه إذا كان ينام وهذا المال في بيته ؟
قالت : وما يغمك منه ؟ أين أنت من المحتاجين من قومك وأخلائك ؟ فإذا أصبحت فقسمه بينهم.
فقال : رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق . فلما أصبح جعل المال في صرر وجفان، وقسمه بين المهاجرين والأنصار .
–
قصة خزيمة وعكرمة
كان خزيمة مشهورا بين الناس بالكرم وعمل المعروف مع أصدقائه وكل من يقصده، وإذا طلب أحدهم منه شيئا قدمه له راضيا مهما كانت قيمته .
وظل خزيمة على هذا الأمر حتى فني ماله وساءت حالته، وكان خزيمة رجلا عزيز النفس لا يريد أن يمد يده ليطلب مساعدة من أحد، فأغلق عليه بابه، وأقام مع زوجته وأولاده يعيشون على ما بقي عندهم من طعام ومال .
علم عكرمة – والي البلاد – بما وصلت إليه حال خزيمة من فقر وحاجة، فأسف لذلك، وقال : كيف يعيش في فقر وشدة من كان في يوم من الأيام يكرم الناس من ماله وطعامه ؟!
وعندما جاء الليل، أخذ عكرمة أربعة آلاف درهم، ووضعها في كيس، وخرج من بيته سرا وقد أخفي شكله، وسار في الظلام حتى وصل إلى بيت خزيمة، وطرق الباب، فلما خرج إليه خزيمة ناوله عكرمة الكيس، وقال له: أصلح بهذا المال أحوالك.
تناول خزيمة الكيس فوجده ثقيلا مملوءا بالدراهم، فوضعه على الأرض وأمسك بتلابيب عكرمة وسأله : من أنت ؟ أخبرني .
فأجابه عكرمة : ما جئتك في هذه الساعة المتأخرة من الليل لتعرفني، إنما حضرت لأعطيك هذا الكيس وكفى .
فقال خزيمة : وأنا لن أقبل هذا الكيس حتى تعرفني بنفسك وتخبرني من أنت .
قال عكرمة : إذا كنت مصمما على معرفتي فأنا منقذ الكرام من غدر الأيام، وأسرع عكرمة بالانصراف، ودخل خزيمة على زوجته يبشرها بخبر المال الذي جاءهما من منقذ الكرام ففرحت .
وفي الصباح خرج خزيمة إلى الناس، ودفع ما عليه من ديون، واشترى طعاما لبيته .
أما عكرمة فقد رجع إلى منزله، ووجد زوجته قلقة مهمومة، ولما سألته عن سبب خروجه متنكرا في منتصف الليل ومعه المال، حاول عكرمة أن يخفي عنها الحقيقة في أول الأمر، لكنها كررت السؤال ووعدته أن تكتم الأمر وتجعله سرا بينهما، فأخبرها عكرمة بالقصة، وحكى لها ما حدث بينه وبين خزيمة وطلب منها ألا تذكر ذلك لأحد أبدا .
ومرت الأيام وتحسنت حال خزيمة، وعاد غنيا مرة أخرى، وذهب لمقابلة صديقه الخليفة، وحكى خزيمة له قصته مع منقذ الكرام من غدر الأيام، وتعجب الخليفة وود لو عرف اسم ذلك الرجل، وقال لخزيمة : والله لو عرفت اسمه لكافأته أحسن المكأفاة على معروفه وكرمه، ثم قال الخليفة لخزيمة : لقد وليتك حاكما على البلاد مكان عكرمة، فاذهب إليه الآن فورا، وحاسبه على ما حصل من أموال المسلمين وما أنفق منها .
عاد خزيمة إلى بلده واليا عليها، وعندما علم عكرمة بخبر ولاية خزيمة على البلاد بدلا منه، خرج في جمع من أهلها يستقبله، ودخل خزيمة في موكب فخم، وقصد دار الإمارة، ولما جلس فيها، وتسلم أمور الحكم أمر بمحاسبة عكرمة، فوجد عليه أموالا عجز عن سدادها ولم يتمكن من دفعها واعتذر لخزيمة، وقال: ليس عندي ما أدفعه .
فطلب خزيمة من جنوده أن يقيدوا عكرمة بالسلاسل ويضعوه في السجن حتى يدفع ما عليه من أموال، دخل عكرمة السجن دون أن ينطق بكلمة واحدة ودون أن يوضح لخزيمة أين ذهبت الأموال الناقصة؟ ولما علمت زوجة عكرمة بسجن زوجها حزنت حزنا شديدا .
ومرت الأيام، وساءت حالها، فلم تستطع الزوجة أن تصبر طويلا، فنادت خادمتها، وقالت لها: اذهبي إلى بيت الوالي خزيمة، وقولي له : عندي كلمة لك لا أحب أن يسمعها غيرك، وعندما ينصرف من معه، ويصبح خزيمة وحده قولي له : ما هكذا يكون جزاء منقذ الكرام من غدر الأيام .
وذهبت الخادمة إلى بيت خزيمة وأبلغته ما قالت سيدتها، فقال منزعجا : واحسرتاه ! أهو عكرمة ؟ ثم قام من مجلسه، وأرسل إلى عظماء البلاد فجمعهم، وركب حصانه، وسار بهم إلى السجن .
ودخل خزيمة السجن هو ومن معه، فوجد عكرمة أصفر اللون متعبا مقيدا بالسلاسل، فأقبل عليه يقبل رأسه ويعتذر إليه عما حدث منه، فرفع عكرمة رأسه، ونظر إلى خزيمة بعينين مليئتين بالدموع، وقال له : وما الذي دعاك إلى أن تفعل كل ذلك الآن يا خزيمة ؟
فأجابه : كرم أصلك وحسن خلقك وسوء مكافأتي، لقد قابلت الإحسان بالإساءة وأنا لا أدري .
فقال له عكرمة : يغفر الله لك .
وطلب خزيمة الحداد وأمره أن يفك قيود عكرمة، ويقيده بدلا منه، ولما سأله عكرمة عن السبب في هذا الطلب الغريب أجابه خزيمة : أريد أن يصيبني من الحبس والقيد مثل ما أصابك .
فأقسم عكرمة عليه ألا يفعل ذلك الأمر، وصمم على أن يخرج خزيمة من السجن معه فخرج الاثنان في موكب من الناس حتى وصلا إلى دار خزيمة، فشكر له عكرمة واستأذنه في الانصراف إلى بيته فقال له خزيمة : لن تذهب إلى دارك يا عكرمة حتى تزول عنك آثار الحبس والقيد .
واستضاف خزيمة عكرمة في داره وأعطاه أفضل ثيابه ثم اختار له أجود فرس عنده وودعه أحسن وداع .