ماذا نتعلم من غزوة بدر

غزوة بدر (وتُسمى أيضاً بـ غزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان) هي غزوة وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد ﷺ، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي. وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة.

دروس تعلمناها من غزوة بدر

1- ساعة الصفر

دقت ساعة الصفر، الجيشان أمام بعضهما، وحينها قام رجل من المشركين اسمه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وأقسم أن يشرب من حوض المسلمين أو ليموتَنَّ دونه.

وقام الرجل ليبرَّ بقسمه، لكن قابله الأسد حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطعت ساقه، ومع ذلك -سبحان الله- فقد كان الرجل مصرًّا على الوفاء بقسمه، وزحف على الأرض ليصل إلى ماء بدر، لكن حمزة أدركه وقتله قبل أن يصل إلى مراده.

كانت هذه نقطة مهمة جدًّا لصالح المسلمين، وليس المهم مَن هذا الشخص الذي قتل، ولكن المهم أن هذا حدث في أول دقيقة من المعركة، فكان هذا توفيقًا كبيرًا من رب العالمين، رفع معنويات المسلمين، وأحبط معنويات الكافرين.

2- المبارزة قبل المعركة

تحرك الغيظ في قلوب زعماء الكفر فنهض ثلاثة من الزعماء بأنفسهم يطلبون المبارزة مع ثلاثة من المسلمين، وكانت هذه عادة في الحروب القديمة، أن يتبارز أفراد قلائل كنوع من الاستعراض، ثم يبدأ الهجوم العام الشامل بعد ذلك.

قام عتبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير، وقام أخوه شيبة بن ربيعة القائد القرشي الكبير أيضًا، وقام ابن أخيه الوليد بن عتبة أحد فرسان قريش المشهورين.

هذه مجموعة من أفضل فرسان مكة.

خرج الفرسان الثلاثة يطلبون القتال، فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار.

لكن الفرسان المشركين قالوا: لا حاجة لنا بكم، إنما نريد أبناء عمِّنا.

نريد قتالاً قرشيًّا قرشيًّا. فقال رسول الله :

قم يا عبيدة بن الحارث (عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه).

قم يا حمزة (عمه).

قم يا علي بن أبي طالب (ابن عمه).

وبدأت المبارزة!

والتقت السيوف، واحتدم الصراع، وارتفعت الآهات، ثم بدأت الدماء تسيل بل تتساقط الأشلاء.

دقائق معدودة وانتهت الجولة الأولى من الصراع، ومرة ثانية لصالح المسلمين.

علي بن أبي طالب قتل شيبة.

وحمزة بن عبد المطلب قتل عتبة، لم تنفع عتبةَ حكمتُه.

وأصيب عبيدة والوليد بإصابات بالغة، فانطلق عليٌّ وحمزة على الوليد بن عتبة فقتلاه، وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.

في أول وقود للمعركة أربعة قتلى للمشركين.

واشتعلت أرض بدر بالقتال.

هجوم شامل كاسح في كل المواقع.

صيحات المسلمين ترتفع بشعارهم في ذلك اليوم: أَحَدٌ أَحَد.

صليل السيوف في كل مكان، والغبار غطَّى كل شيء.

الصدام المروع الذي يحدث للمرة الأولى بين المسلمين والكافرين.

3-  وقت التذكير بالجنة.

رفع رسول الله صوته ليُسمِع الجميع: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ إَلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ”.

الكلام عجيب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحفز الناس على الدفاع عن حياتهم، بل حفزهم على فَقْد حياتهم.

سبحان الله!

الموت المكروه عند عامَّة البشر، يصبح أمنية بل أسمى الأماني لمن فَقِه حقيقة الجنة.

لا يمكن للإنسان أن يكون عنده يقين في هذا الكلام؛ ثم لا يشتاق إليه.

لذلك فالجيش المنصور جيش يحب الموت فعلاً.

كلمة خالد بن الوليد المشهورة التي ذكَّرناكم بها قبل ذلك: “جئتكم برجال يحبون الموت، كما تحبون أنتم الحياة”.

وعندما تكلم الرسول عن الأمة المهزومة ذكر من صفاتها الوَهْن

فسُئل: وما الوهن؟

فقال: “حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموت”

فلو وُجِد هذا في نفوس الأمة هُزِمَت، ولو أحبت الأمة الموت وُهِبَت النصر، ووهبت الجنة.

4- من مواقف الصحابة في بدر

موقف عمير بن الحمام في بدر

عمير بن الحمام يقف بجانب الرسول ، والرسول  يقول: “قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالأَرْضُ”.

عمير بن الحمام سمع هذه الكلمة، فقال متعجبًا: عرضها السموات والأرض!!

الإنسان منا يكافح سنين طوالاً لكي يصبح عنده شقة، أو سيارة، أو بعض الأموال، أو بعض السلطات.

كل هذا لا يمثل واحدًا على مليون مليون من الأرض.

فكيف بالجنة التي عرضها السموات والأرض؟! ما شكلها؟!

عمير يتعجب: عرضها السموات والأرض!

وعمير بن الحمام  يتلقى بمنتهى اليقين، لا جدال، لا محاورة.

قال عمير: بَخٍ بَخٍ.

قال له الرسول الكريم : “مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟”

ممَّ تتعجب؟ أتشك في هذا الكلام؟

أسرع عمير يقول: لا والله يا رسول الله، ما قلتها إلا رجاء أن أكون من أهلها.

قال صلى الله عليه وسلم : “فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا”.

يا الله!

عمير يعلم أنه من أهل الجنة، وهو ما زال يمشي على الأرض، أرض بدر.

بينه وبين الجنة فقط أن يموت.

لم يعُدْ قادرًا أن يعيش لحظة واحدة على الأرض.

كان يمسك بيديه بعض تمرات يتقوَّى بها على القتال.

فألقى بالتمرات على الأرض، وقال كلمة عجيبة؛ قال:” لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة”

أَكْلُ التمرات حياة طويلة!!

هل سأنتظر ثلاث أو أربع دقائق آكل فيها التمر؟ هذا كثير.

ألقى بنفسه وسط الجموع الكافرة.

استشهد، دخل الجنة، هو -يقينًا- في الجنة.

.

موقف عمير بن أبي وقاص

– عمير بن أبي وقاص شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، في تعريف منظمة الصحة العالمية طفل (الأطفال في تعريفهم أقل من 18 سنة).

وفي تعريف القيم والأخلاق والمبادئ والعقائد من سادة الرجال.

تقدم وهو في هذه السن الصغيرة؛ ليجاهد مع المجاهدين في بدر، لكنه كان خائفًا.

من أيِّ شيء كان خائفًا؟ هل يخاف أن يموت؟ لا، بل يخاف ألا يموت.

يخاف أن يرده الرسول ؛ لأنه ما زال صغيرًا.

أخذ يتوارى بين القوم حتى لا يراه الرسول  فيرده.

رآه أخوه المجاهد العظيم سعد بن أبي وقاص.

فقال له: ما يحملك على هذا؟

قال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.

رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأشفق عليه من القتال، وردَّه.

بكى عمير ؛ فستضيع عليه فرصة الموت في سبيل الله.

ولكن رقَّ له رسول الله ، وسمح له بالجهاد.

جاهد، اشتاق بصدق للشهادة، استشهد، دخل الجنة.

موقف عوف بن الحارث

– عوف بن الحارث  سأل رسول الله : يا رسول الله، ما يُضحك الرب من عبده؟ قال: “غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا”.

هنا ألقى عوف درعه وقاتل حاسرًا.

هذا الفعل يلقي الرعب في قلوب العدو؛ لأنه يعبر عن إنسان لا يهاب الموت بل يطلبه.

قاتل عوف وقاتل وقاتل، حتى قُتِل، اُسْتُشهد، دخل الجنة.

موقف سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة

– قبل الخروج إلى بدر سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة.

الاثنان يريدان أن يخرجا للجهاد في بدر، لكن عندهما بنات كثيرات، ولا بد أن يخرج أحدهما، بينما يبقى الآخر ليرعى البنات.

الاثنان يريدان أن يخرجا، الاثنان طالبان للجنة بصدق، لم يرضَ أحدهما بالتنازل، فقررا إجراء قرعة، فخرج سهم الابن سعد بن خيثمة، تحسَّر أبوه، تحسر حسرة حقيقية، فقال لابنه برجاء: يا بُنيَّ، آثرني اليوم. دعني أخرج، فَضّلني على نفسك، أنا أبوك؛ لكن سعدًا  ردَّ بجواب يفسر قصة الجيش المنصور، قال في أدب: يا أبتِ، لو كان غير الجنة فعلت.

لا يمكن أن أضيع هذه الفرصة.

وخرج سعد بن خيثمة بهذه الروح، وهذا الصدق.

وقاتل سعد بن خيثمة، واستشهد، ودخل الجنة التي يريد.

اللطيف والجميل أن خيثمة أبوه، خرج في (غزوة أُحُد) بعد بدر بسنة، واستشهد أيضًا، أترون الصدق؟

موقف أم حارث بن سراقة

– أم حارثة بن سراقة استشهد ابنها حارثة في بدر، شاب صغير مات مقتولاً في مثل هذا الموقف، تطيش عقول، وتضطرب أفئدة، ويتزلزل رجال ونساء.

لكن أم حارثة جاءت تسأل عن شيءٍ محدَّد.

يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تَرَ ما أصنع.

أهمُّ أمرٍ بعد الموت: جنة أم نار؟ هذا هو المفروض أن يشغلنا.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :

“يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى”.

الله أكبر! لماذا؟ لأنه مات صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر.

استراحت أم حارثة، تقبلت أمر موت ابنها الشاب ببساطة وبصبر وباحتساب، بل بسعادة؛ لأن من يحب أحدًا يحب له الخير. ولا خير أحسن من الجنة.

ماذا نتعلم من غزوة بدر؟

اقرأ في الموقع