قصة القبعة السحرية
في قديم الزمان، كان هناك قائد له ابنة على جانب عظيم من الحسن والذكاء، فلما بلغت سن الزواج، أعلن والدها في طول الدنيا وعرضها، أن من يأتيه بنجمة من السماء، يقترن بها، وأن كل من يدعي الحصول على نجمة ويخفق، يكون مصيره الموت.
وصل الخبر إلى إحدى القرى النائية، فتشجع أحد فتيانها، وسار يبحث عن نجمة السماء.
ذات مساء، كان قد بلغ قمة أعلى جبل، وبذل جهدا كبيرا، ولكن عبثا حاول، فغلبه اليأس، وجلس يفكر في أمره، وقد عرف أنه لن ينجح في مسعاه، في تلك اللحظة، اقترب منه رجل غريب فسأله: لم أنت حزين؟ هل أضعت شيئا؟
أجابه : وكيف لا أكون حزينا وقد حكمت على نفسي بالموت بسبب كبريائي؟ فلقد تبجحت بالحصول على نجمة لأنني ظننت الأمر سهلا، ولكني أخطأت الظن والتقدير، وسيكون جزائي الموت.
فقال الغريب: امتط ظهري، ولكن اذكر أننا عندما نرتفع في الفضاء يحرم عليك النظر إلى الأرض، وطارا كالعصافير
وبعد فترة من الزمان قال له الغريب: انظر فوقك.
فرفع الفتى بصره فوجد أن النجوم أصبحت حينئذ في متناول يده.
قال الغريب : خذ واحدة، ولكن أسرع.
فالتقط الفتى نجمة، وإذا بالغريب يختفي، وبقي هو في الفضاء، خائفا على نفسه، وعلى النجمة التي في قبضة يده، وكانت الريح تحركه في مختلف الاتجاهات، بيد أنه لم يفلت النجمة، حتى أوقعته هبة شديدة على الأرض.
فحط على بساط من العشب، سندسي رقيق عميق، غاص فيه حتى قمة رأسه، فوضع النجمة بداخل جيبه، وواصل سيره.
لمح ثلاثة رجال يتنازعون فيما بينهم، فتقدم منهم وسألهم: فيم تتخاصمون؟
نحن إخوة ثلاثة، مات عنا والدنا وترك لنا قبعة واحدة، لا نرى كيف السبيل لاقتسامها. وكل منا يريدها لنفسه، فاذا استولى عليها أحدنا، لم يصب الآخرين شيء،
فقال الفتى: إني أدهش لرؤية إخوة ثلاثة، يتخاصمون من أجل أمر تافه.
ذلك لأنك تجهل قوة هذه القبعة: إنها تخفي من يضعها على رأسه، ومن هنا كانت أثمن من كل خيرات الأرض.
فسألهم الفتى: هل لي في رؤيتها؟ فأروه إياها، فأخذها بين يديه وأخذ يقلبها، ولكنه ما إن هم بلبسها حتى صاح الثلاثة: انتبه، إنك إن اعتمرت بها لن أراك مطلقا.
فقال الشاب: لا تخشوا بأسا فأنا لن أدعها طويلا فوق رأسي، هل تستحق هذه القبعة حقا مثل هذا الخصام؟
اسمحوا لي أن أتثبت من أقوالكم. وما إن وضع القبعة السحرية على رأسه حتى اختفى، وتابع طريقه
فقال الاخوة الثلاثة: حسنا، ما دمنا قد فقدنا القبعة، فلا طائل من النزاع، فلنعش بسلام ووئام.
وتأهب الفتى تحميه قبعته للسفر قصد مقابلة القائد، لا يقلقه شيء ليقينه أن ليس هناك من يستطيع أن يسلبه نجمته.
وبينما هو في طريقه، سمع ذات يوم صياحا، وأبصر ثلاثة رجال يتخاصمون، فنزع قبعته وتقدم منهم قائلا: من أنتم ولم تتشاجرون؟
فأجابوه: نحن ثلاثة إخوة وقد توفي والدنا وترك لنا ميراثا حذائين كبيرين، غبر عاديين، يكفي أن تديرهما ناحية اليسار ليسيرا من تلقائهما.
فجاؤؤه بهما فتصفحهما، وأخذ يجربهما، إلا أنه سرعان ما لبس القبعة، واختفى، وتصافى الاخوة الثلاثة كأولئك الأولين، وفي قطع بطلنا بحذائيه الكبيرين، مسافات شاسعة.
سار الفتى حتى التقى، من جديد بثلاث اخوة يتشاجران.
من أنتم وفيم خصامكم؟
نحن ثلاثة إخوة فرغنا الساعة من دفن والدنا الذي لم يترك لنا مالا أو عقارا، بل ترك لنا عصاه، وهي عصا لا كالعصى، فإذا ما غرزتها في الأرض، رأسا على عقب، أثناء معركة فإنك تجنب رجالك الموت بينما يفنى أعداؤك كما لو نزل نهم الطاعون.
فطلب منهم رؤية العصى، فلما أصبحت بين يديه، لبس القبعة واختفى وحينئذ تصالح الاخوة.
وكانت الطريق طويلة، ذات يوم، وقف الفتى أمام مسكن كبير جميل، تحف به الحقول والحدائق فدار حوله، بحثا عن مخلوق بشري، فلم يجد غير العصافير والطيور تملأ المكان
وأخيرا دفع باب الدار، ولكنه ما كاد يدخل، حتى هرولت نحوه امرأة قوية عملاقة صائحة: آه هذا اليوم يوم فرح.
سأقتلك وأطعم وحوشي لحمك
قال الفتى: ارحميني فقد مضى على وقت طويل وأنى أسير ولم يبقى على عظامي سوى الجلد، فأعينيني في الوصول إلى هدفي.
قالت: يستحيل علي أن أفعل ذلك، لأنني لا أخرج مطلقا من هنا، فطيوري تقوم على خدمتي.
وصفقت فأقبلت طيور كثيرة مختلفة، وحطت بقربها، فخاطبت أكبرها، وهو الطائر الذي يحمل البشر على ظهره. وأمرته بحمل الفتى إلى حيث يريد.
شكرها الفتى، وامتطى ظهر الطائر فحلق به فوق الأنهار والبحيرات والبحار، حتى وضعه في قصر القائد
تسلل الفتى كأنه أحد الخدم، وبدأ ينتقل من حجرة إلى حجرة، مراقبا ما يجري، مصغيا إلى ما يقال، حتى وجد حجرة الفتاة، وكانت جالسة، تطرز منديلا حريريا، وطلبت من وصيفتها أن تملأ لها قدحا لتشرب، وفي اللحظة التي مرت بها الوصيفة بجانب الفتى، انتزع هذا فرعا من فروع النجمة، وألقاه في القدح.
قربت الفتاة القدح من شفتيها، فلمحت النجمة طافية على وجه الماء، فدهشت، ووضعت الكأس جانبا، وطلبت من الوصيفة أن تأتيها بكأس آخر، واغتنم الفتى الفرصة ليكرر فعلته
فاضطربت الفتاة ودفعت عنها الكأس قائلة: إذا كان غريب في هذا المكان، فليبد نفسه، فلن ينال أي عقاب.
عند ذلك، نزع الفتى القبعة، فصاحت الفتاة: من أنت ولم أنت هنا ؟ تكلم
فروى لها قصته من الألف إلى الياء، وأضاف: أين والدك؟ ينبغي أن أقابله.
فأجابته: لقد ذهب إلى الحرب، والأنباء التي بلغتنا اليوم، تقول إن جيوشه تنهزم، وإني أخشى ألا يعود حيا.
اغرورقت عينا الفتاة بالدموع، فسألها الفتى، أين تدور المعركة؟
فلما أجابته، أبدى على الفور رغبته في الذهاب إلى ساحة الحرب، خافت عليه الفتاة، ولكنه عزم على الذهاب وانتعل الحذائين الشهيرين، وإذا هو يصل إلى ميدان الحرب.
وهنا غرز عصاه، رأسا على عقب، بجانب القائد. وفي الحال اكتسح الطاعون جيوش العدو، وانتصرت جيوش القائد.
وهكذا انتهت الحرب نهاية سعيدة، فأسرع الفتى وهو ينتعل حذائه العجيب، في العودة إلى الفتاة، ليزف لها البشرى، فاستقبلته بسرور وغبطة وانتظرا معا حتى رجع القائد، واطلع على الأمر، ففرح بذلك.
وأقام حفلة كبرى، بمناسبة زفاف ابنته إلى الفتى الشجاع، وعاش العروسان حياة سعيدة.