قصة الأمير السعيد

كان يا مكان، في قديم الزمان وفي أحد البلدان هناك على مرتفع يطل على المدينة، قام تمثال، كان الناس يسمونه الأمير السعيد.

 كان التمثال منتصبا على عمود شاهق، تكسوه أوراق رقيقة من الذهب الفاخر، وعيناه مصنوعتان من ياقوتتين براقتين، وعلى مقبض سيفه عقيقة حمراء، كبيرة متألقة، ومنظره يستهوي الناس بجماله وحسنه.

هذه أم تقول لابنها الصغير الذي يبكي: لم لا تكون مبتسما كالأمير السعيد؟ وذاك رجل يحملق في التمثال البديع ويتمتم يقول:

 يسرني أن أنظر إليه، ما أجمل ابتسامته، إنه أمير سعيد حقا، وهؤلاء أطفال يغادرون المدرسة بوزراتهم الزرقاء، يتأبطون محافظهم، يقفون تحت عمود التمثال، يتطلعون إليه ويقولون: هنيئا له، إنه يطل على المدينة بأسرها.

في إحدى الليالي، حلق في سماء المدينة خطاف صغير، وكانت الخطاطيف من أصدقائه  قد طارت مهاجرة إلى مكان دافئ خوفا من البرد القارس، وعواصف الثلج التي يأتي بها فصل الشتاء

لم يهاجر هذا الخطاف الصغير، لأنه كان قد تعرف على قصبة خضراء طويلة مستقيمة في الفضاء، فأعجبه منظرها، ولم يرد أن يبتعد عنها.

وبعد مهاجرة أصحابه الخطاطيف، شعر الخطاف الصغير بالوحشة، وظل يطير وحده طيلة النعال، وحين خيم الليل، كان قد وصل إلى المدينة

 وهناك رأى التمثال على العمود الشاهق فوق المرتفع، فصاح قائلا: سأبيت هنا إنه موقع جميل، وبه كثير من الهواء النقي وحط بين قدمي الأمير السعيد، ثم قال في صوت رخيم وهو يلتفت حوله: سأنام في حجرة ذهبية؟.

تأهب الخطاف للنعاس، وبينما هو يضع رأسه تحت جناحه، سقطت عليه قطرة كبيرة فصاح قائلا: إن هذا لشيء عجيب، فليس في السماء سحابة واحدة، وقبل أن يفتح جناحيه ليطير، سقطت عليه قطرة أخرى، فرفع نظره إلى أعلى فرأى، ترى ماذا رأى؟

لقد كانت عينا الأمير السعيد مترقرقتين بالدموع، وكانت الدموع تسيل على خديه الذهبيتين.

قال له الخطاف الصغير: من أنت؟

رد عليه التمثال: أنا الأمير السعيد.

لماذا تبكي؟ لقد بللتني.

أيهمك أن تعرف تعرف لماذا أبكي؟

نعم يهمني جدا.

قال الأمير السعيد بنغمة موسيقية خافتة: اسمع أيها الخطاف الصغير، هناك، على مسافة بعيدة في شارع صغير، بيت منعزل، إحدى نوافذه مفتوحة، ومن خلالها أستطيع أن أرى امرأة جالسة إلى نضد، وجهها نحيل منهوك.

وفي زاوية الحجرة سرير يرقد ابنها الصغير عليه، وبه حمى، وهو يشتهي الفواكه، ولكن أمه لا تملك شيئا تقدمه إليه سوى ماء النهر، والطفل من أجل ذلك يبكي، أفلا تأخذ إليها أيها الخطاف الصغير، العقيقة من مقبض سيفي؟ فقدماي مثبتتان، ولا أستطيع حراكا.

إلتقط الخطاف العقيقة الكبيرة من سيف الأمير، وطار بها في منقاره فوق سطوح المدينة، حتى وصل إلى البيت الفقير وبعد ذلك بدأ يحوم برفق حول سرير الغلام المريض مرفرفا بجناحيه كأنه يحييه.

عاد الخطاف إلى الأمير السعيد. فقال له الأمير: يا أيها الخطاف الصغير، هناك في على مسافة بعيدة في الناحية الأخرى من المدينة، أشاهد شابا في حجرة على سطح المنزل، وهو منكب على مكتب تغطيه الأوراق، يحاول اكمال قصة مسرحية، ولكن شدة البرد تحول بينه وبين متابعة الكتابة، فليس في موقده نار، وقد خارت قواه من شدة الجوع.

واحسرتاه ليس لدي الآن عقيق، وكل ما بقي لي خو عيناي وهما مصنوعتان من ياقوت أزرق نادر الوجود، فتنقر أيها الخطاف الصغير إحدى عيني واذهب بها إليه.

نقر الخطاف إحدى عيني الأمير وطار بها إلى غرفة ذلك الطالب، ودخلها من كوة في السقف، وكان الطالب قد أمسك رأسه بين يديه، فلما حرك رأسه وقع بصره على الياقوتة الجميلة فوق مكتبه.

عاد الخطاف إلى الأمير السعيد، فقال له الأمير: أيها الخطاف الصغير إن في الساحة تحتنا بنت صغيرة تبيع أعواد الكبريت، وقد وقع كبريتها في مجرى ماء بجانب الرصيف، فابتل ولحقه التلف، وسيضربها أبوها إذا عادت إلى البيت من غير نقود، إنها الآن تبكي، وهي بئيسة، ليس لها حذاء ولا جوارب ولا غطاء للرأس فافقئ عيني الأخرى، واذهب بها إليها.

قال الخطاف: ولكني لا أستطيع أن أنقر عينك الوحيدة التي بقيت لك، إنك ستبقى أعمى.

قال الأمير: يا أيها الخطاف الصغير العزيز، افعل بالله ما آمرك به.

نقر الخطاف عين الأمير، وطار إلى الصبية بائعة الكبريت، ورمى الياقوتة في كفها، فصاحت فرحة بها: ما أبهى هذه القطعة من الزجاج ثم جرت مبتهجة إلى بيتها لتقدمها إلى أبيها.

طار الخطاف عائدا، فلما وصل قال الأمير السعيد: الآن يمكنك أن ترحل أيها الخطاف الصغير.

قال الخطاف: ولكنك صرت الآن أعمى، ولا أستطيع أن أتركك.

قال الأمير: لا أيها الخطاف الصغير، ارحل إلى مكان دافئ عند أصحابك الخطاطيف، فالشتاء سيكون قاسيا هنا.

قال الخطاف: لقد أحببتك أيها الأمير السعيد، وسأبقى معك، سأكون صديقك طول العمر.

ونام الخطاف بجانب قدمي الأمير، وبدأ يقضي كل يوم جالس على كتفه، يحكي له قصصا مما شاهده غي أسفاره من مناظر خلابة وطبيعة جميلة.

حكاية الأمير السعيد
  • views
  • تم النشر في:

    قصص و عبر

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=9196

اقرأ في الموقع