معنى حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما
معنى حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما
ما الأوجه الذي يحملها معنى حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما الذي ورد في صحيح البخاري؟
صحيح البخاري من أهم الكتب التي حفظت حديث رسول الله وساهمت في بيان صحة مجموعة من الأحاديث والآثار التي نقلها الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح مشافهةً، فكان للبخاري -رحمه الله- فضلٌ عظيم في تأليفه للصحيح إذ إنّ الأمة تثق بما جاء فيه ومجرد كون الحديث قد أورده البخاري في صحيحه فهذا كافٍ للوثوق به والاطمئنان إلى صحته
ومن هذه الأحاديث حديث يتكلّم عن اقتتال المسلمين حيث قال البخاري: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، قال:”ذَهَبْتُ لأنْصُرَ هذا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أبو بَكْرَةَ، فَقالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلتُ: أنْصُرُ هذا الرَّجُلَ، قالَ: ارْجِعْ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا القَاتِلُ، فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ”،
و تكلّم أهل العلم في معنى هذا الحديث وشرحوه شرحًا مفصّلًا وبيّنوا حدوده، وقالوا بأنّ المقصودين في هذا الحديث هم الذين التقوا في قتال وتواجهوا في نزال وكان ذلك عدوانًا وظلمًا، أمّا من يتقاتل من المسلمين نتيجةً لوجود شبهة لديه أو سبب شرعي كرد الظلم ومقاتلة أهل العدل لأهل البغي والاستبداد، فهؤلاء لا يدخلون ضمن هذا الوعيد بدخول النار، وإنّما هم محسنون لقيامهم بالدفاع عن الحق والعدل في مواجهة البغي والطغيان.
ومن حارب ضد البغي وكان قاصدًا ذلك في سريرته عازمًا عليه بقلبه فقتل وهو على تلك الحالة فإنّه معدود في زمرة الشهداء ويُرجى له الخير والفلاح
فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ}، فهذه الآية دليل على وجوب قتال أهل البغي حتّى يرجعوا إلى الحق
أمّا القتال على الأمور الدنيوية كالسلطة والزعامة والمال وغير ذلك من الأسباب كالحسد والحقد والعصبية فإنّه قتال منهي عنه في الشريعة الإسلامية وفاعليه هم المقصودون من قول رسول الله: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.
ومن الملاحظ أنّ الحديث قد ذُكر فيه السيف وهو من أهم الأسلحة التي كانت مستخدمة في عهد رسول الله إلّا أنّ هذا الوعيد باستحقاق العذاب والعقوبة ينطبق على رفع المسلم لأي نوع من أنواع الأسلحة القاتلة، فالحرمة متعلّقة بقصد القتل والحرص عليه والتلّبس به ولا عبرة بنوعية السلاح إن كان سيفًا أو بندقية أو غير ذلك
ومن الواجب العلم بأنّ قتل المسلم لأخيه المسلم ظلمًا من الذنوب العظيمة الموجبة لدخول نار جهنم، وقد اختلف أهل العلم في كون التوبة ترفع عن القاتل الوعد بدخول النار فقال جماعة ومنهم ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ العذاب متحقّق وذلك لورود قول الله تعالى في سورة النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
في حين قال آخرون أنّ التوبة تنفعه وتخرجه من دائرة هذا الوعيد بإذن الله تعالى وذلك لوجود آيات وأدلّة أخرى تبيّن أنّ التوبة تنفع صاحبها وتكسبه رضي الرحمن وإن ارتكب إثمًا عظيمًا كالقتل العمد العدوان.
كما اختلف أهل العلم في كون القصاص يرفع العقوبة الأخروية أم لا، فقال البعض بأنّ من تلّقى عقوبته في الدنيا على القتل فإنّ هذا يُكفّر عنه العقوبة في الآخرة ويعفيه منها، في حين قال البعض الآخر بأنّ القصاص مشروع لأجل حفظ حياة الناس ولوجود المصلحة العامة فيه من ردع الظالمين والقتلة إلّا أنّ العقوبة الآخروية باقية والقصاص في الدنيا لا يُزيلها
أمّا عن مرتبة القاتل والمقتول في النار فإنّ ظاهر الحديث ولفظه يبيّن أنّهما بمرتبة واحدة فكلاهما كان حريصًا على قتل الآخر، وبذل جهده في ذلك ولكنّ ضربة أحدهما سبقت ضربة الآخر، وقيل أنّ القاتل في مرتبة ودرجة أشد وأطول لأنّه يُحاسب على القتال والقتل، أمّا القتيل فيُحاسب على القتال فقط.
معاني مفردات الحديث
- التقى: من اللقاء وهو الاجتماع والتلاحم والتحاذي.
- المسلمان: مثنّى مسلم وهو من اعتنق دين الإسلام وصدّق بالرسالة المحمدية وأظهر الخضوع والقبول لما تضمنّته.
- بسيفهيما: مثنّى سيف وهو سلاح من الفولاذ أو غيره من المعادن، وهو ذو نصل طويل وحرفه حاد ويُضرب به باليد.
- القاتل: اسم الفاعل من القتل وهو إنهاء حياة الغير.
- المقتول: اسم المفعول من القتل وهو إزهاق الروح وسلبها بفعل فاعل.
- النار: هي عنصر طبيعي فعّال متمثل بالحرارة المحرقة والنور، وهي اللهب الذي يظهر للنظر وتشعر بحرارته الحواس، وتنجم عن احتراق المادّة، والمقصود بها نار جهنّم.
العبر المستفادة من الحديث
- إنّ سفك الدماء وإزهاق الأرواح بلا حق أو وجود سبب شرعي هو من أعظم الذنوب وأخطر الخطايا التي يُحاسب عليها الله تعالى في الآخرة.
- إنّ العزم على فعل الذنب وعقد القلب على ذلك يُعدّ معصيةً، أمّا الهم بفعل الذنب وهو مرحلة سابقة لمرحلة العزم والإصرار الذي بيّنت الأحاديث النبوية الأخرى والنصوص الشرعية عدم ترتّب السيئات عليه.
- إنّ المسلم يجب أن يحرص على تصحيح سريرته وتصفية ما بقلبه فيوطّن نفسه على كره المعاصي ويُبعد تفكيره عن الرغبة في إلحاق الأذى بالآخرين، فإذا تعرّض لإساءة فإنّه يلجأ إلى الطُرق الشرعية في ردّها حتّى لا يعتدي ويُكتب عند الله من المعتدين مستحقي العذاب.
- إنّ قتال المسلم لأخيه المسلم ذنب عظيم وكبيرة من الكبائر إلّا أنّه لا يصل إلى درجة الكفر، والدليل أنّ رسول الله سمّى الطرفان المتقاتلان في هذا الحديث بالمسلمين ولم ينزع عنهم هذه الصفة.