تاريخ الحجر الأسود
يرجع السبب في تعظيم المسلمين للحجر الأسود، وتسابقهم لاستلامه، وتقبيله أثناء الطواف، إلى أمرين أساسيين؛ الأول هو الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد ثبت أنّه كان يقبّله، مصداقاً لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنّه جاء إلى الحجر الأسود؛ فقبّله، وقال: (إني أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك)
وأمّا السبب الثاني فهو أنّ الحجر الأسود حجرٌ نزل من السماء، فبعد أن أتمّ إبراهيم -عليه السلام- بناء الكعبة من الحجارة الجرانيتية التي تحيط بمكة، أراد أن يميّز الركن الذي يبدأ الناس بالطواف منه، فقرّر وضع حجرٍ مختلفٍ عن بقية الحجارة، فأرسل ابنه إسماعيل ليبحث عن حجرٍ مختلفٍ عن حجارة مكة، فأخذ إسماعيل يبحث في أنحاء مكة، ولكنّه لم يجد، فعاد إلى والده خالي الوِفاض، فقال له إبراهيم عليه السلام: (لقد جاءني به من هو خيرٌ منك؛ جاءني به جبريل).
سبب تسمية الحجر الأسود بهذا الاسم
نزل الحجر الأسود من الجنة مع آدم عليه السلام وكان شديد البياض، ولكن بسبب خطايا بني آدم اسود لونه، وقد حفظه الله عز وجل لنبيه إبراهيم عليه السلام، وعندما بدأ إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة أرادا أن يكون مكان بدء الطواف ظاهراً للناس، فأحضر جبريل عليه السلام الحجر ووضعه مكانه، وكان الحجر في ذلك الوقت يتلألأ من شدّة بياضه، فكان يضيء كلّ أطراف الكعبة، وبلغ طوله ذراع، وقد غرس في بناء الكعبة ولم يظهر منه إلّا رأسه الذي أصبح أسوداً بسبب الذنوب، أمّا الجزء المغروس في الكعبة فلونه أبيض.
تاريخ الحجر الأسود
مرّ على الحجر الأسود الكثير من الأحداث التاريخية، منذ أن بنى إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- الكعبة المشرّفة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض تلك الأحداث التاريخية:
- عصر الجاهلية: وقع بين الجراهمة وبين قبيلة خزاعةٍ حربٌ تمّ على إثرها إخراج الجراهمة من مكة المكرمة، فقام عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بأخذ الحجر الأسود من مكانه، ودفنه في زمزم، ولكنّ أحد نساء خزاعة شاهدته، فأخبرت قومها وأخرجوا الحجر، وأعادوه إلى مكانه،
- من الأحداث التي وقعت في الجاهلية أيضاً، دفاع القرشيين؛ ومنهم خويلد أبو خديجة -رضي الله عنها- عن الحجر الأسود، عندما أراد تبعٌ أخذ الحجر الاسود إلى اليمن، حيث قال ابن الأثير: (وهو -خويلدـ الذي نازع تبعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك الوقت خويلد، وقام معه جماعةٌ من قريشٍ، ثمّ رأى تبعٌ في منامه ما روّعه، فنزع عن ذلك، وترك الحجر الأسود في مكانه).
- بعد ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم: في فترة شباب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقبل بعثته، حدث حريقٌ في الكعبة أثّر في بنيانها، فخشيت قريش من أن تُهدم الكعبة، فقرّروا إعادة بنائها، وكان أول من بدأ باقتلاع حجارتها الوليد بن المغيرة
- وقد شارك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع بني هاشم في نقل حجارتها، وبعد الانتهاء من البناء، اختلفوا فيما بينهم على وضع الحجر الأسود في مكانه، حيث كانت كلّ قبيلةٍ تطمع بنيل ذلك الشرف، فقرّروا الاحتكام إلى أول من يدخل البيت الحرام، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحكّم بينهم، واستقرّ الحجر الأسود في مكانه.
- العام الرابع والستين للهجرة: لم يحدث أيّ تغييرٍ على الحجر الأسود، حتى العام الرابع والستين للهجرة، عندما ربطه عبد الله بن الزبير بالفضة، بعدما تصدّع إثر رمي الكعبة بالمنجنيق، من قبل الحصين بن النمير قائد يزيد، وذلك خلال حربٍ وقعت بين يزيد وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
- العصر العباسي: حيث تم تنقيب الحجر الأسود بالماس، وإفراغ الفضة عليه من قبل الخليفة العباسي هارون الرشيد.
- عام 317 للهجرة: وذلك عندما وقع أخطر حدثٍ في تاريخ الحجر الأسود، حيث قامت فرقةٌ خبيثةٌ تُدعى بالقرامطة، بغزو مكة بقيادة أبو طاهر القرمطي، وتمكّن القرامطة من احتلال مكة، فسرقوا الحجر الأسود، ووضعوه في بيتٍ كبيرٍ في قرية الجش، في منطقة الإحساء، ثمّ أمر زعيمهم الناس في القطيف بالحج إلى ذلك البيت، ولكنّ أهل القطيف رفضوا ذلك، فقتل القرامطة الكثير منهم، ونقلوا الحجر الأسود إلى الكوفة، ولكنّهم أعادوه فيما بعد إلى الإحساء،
- يقول ابن كثير واصفاً تلك الأحداث: (وفي سنة تسعٍ وثلاثين وثلاثمئة في هذه السنة المباركة، في ذي القعدة، منها ردّ الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت، وقد بذل لهم؛ أيّ القرامطة، الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار، على أن يردّوه إلى موضعه فلم يفعلوا، ثمّ أرسلوه إلى مكة بغير شيءٍ على قعودٍ، فوصل في ذي القعدة من هذه السنة، ولله الحمد والمنة، وكان مدة مغايبته عندهم ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحاً شديداً).
الجاسوس الذي أسلم بسبب الحجر الأسود
لمّا علم المستشرقون أنّ المسلمين يعتقدون بنزول الحجر الأسود من السماء، وأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (نزلَ الحجرُ الأسوَدُ منَ الجنَّةِ، وَهوَ أشدُّ بياضًا منَ اللَّبنِ، فسَوَّدَتهُ خطايا بَني آدمَ)
أراد المستشرقين أن يثبتوا بأنّ الحجر الأسود مجرّد حجر بازلتٍ أسودٍ كباقي الحجارة في مكة، فيكون بذلك ثغرةً لمهاجمة الإسلام، فأرسلت الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية التابعة لجامعة كامبردج، جاسوساً ليأتيهم بعينةٍ من الحجر الأسود؛ ليثبتوا للمسلمين أنّ كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليس صحيحاً، فتوجّه الجاسوس إلى المغرب حيث تعلّم اللغة العربية في سبع سنواتٍ، وكسب اللهجة المغربية، ثمّ توجّه إلى مصرٍ، ومنها خرج على متن باخرةٍ متوجهاً إلى مكة المكرمة، برفقة الحجاج الذين أكرموه؛ ظناً منهم أنّه يريد حجّ البيت، فتأثّر قليلاً بحسن معاملتهم، وثأثّر أكثر لمّا رأى المسجد النبوي في المدينة المنورة، والكعبة المشرفة في مكة، ولكنّه أصرّ على تنفيذ مهمته، فدخل في أحد الليالي إلى الكعبة المشرفة، وأثناء غفلة من الحراس، قام بأخذ قطعةٍ من الحجر الأسود، حيث إنّ الحجر الأسود تكسّر أثناء انتقاله من الحساء إلى مكة، بعدما سرقه القرامطة، وأصبح أربعة عشر جزءاً، وبعد أن أخذ تلك القطعة، عاد إلى بلاده، حيث وضع القطعة في متحف التاريخ الطبيعي في لندن؛ ليتم فحص العينة من قبل العلماء
فكانت المفاجأة بالنسبة لهم أنّ الحجر الأسود حجرٌ نيزكيٌ من نوعٍ خاصٍ، ولمّا علم الجاسوس بتلك النتيجة؛ تأثّر بشكلٍ كبيرٍ، ثمّ أعلن إسلامه، وكتب كتاباً من جزئين، سمّاه رحلةٌ إلى مكة، بيّن في الجزء الأول عداءه للإسلام، وتآمره على المسلمين، وفي الجزء الثاني ذكر خضوعه لله تعالى.