نـوادر الشعراء ذكاء وطرائف وسرعة بديهة
حكى الأصمعي فقال: ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديـدا فالتجأت إلـى حـي مـن أحياء العرب وإذ بجماعة يصلـون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد وينشد:
أيـا رب إن البـرد أصبـح كالحـا * * * وأنـت بحالـي يـا إلهـي أعلـم
فإن كنت يوما فـي جهنـم مدخلـي* * * ففـي مثـل هذا اليوم طابت جهنم
فتعجبت من فصاحته وقلت له: يا شيـخ مـا تستحـي تقطـع الصلاة وانت شيخ كبير؟!، فأنشد يقول:
أيطمـع ربـي أن اصلـي عاريـا* * * ويكسو غيري كسوة البرد والحر
فواللـه ما صليت مـا عشـت عاريـا* * * عِشـاء ولا وقـت المغيـب ولا الوتـر
ولا الصبـح إلا يـوم شمـس دفيئة * * * وإن غيمـت فويـل للظهر والعصـر
وان يكسنـي ربـي قميصـا وجبة * * * أصلي لـه مهمـا أعيـش من العمـر
فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصا وجبة كانتا علـي ودفعتهما إليه وقلت له:
إلبسهما وقم فصـل، فاستقبل القبلـة وصلى جالسا وجعل يقول:
إليـك اعتـذاري مـن صلاتـي جالسـا * * * علـى غيـر طهـر موميـا نحـو قبلتي
فمالـي ببـرد المـاء يـارب طاقـة * * * ورجـلاي لا تقـوى علـى ثني ركبتي
ولكننـي استغفـر اللـه شاتيـا * * * واقضيهمـا يا رب فـي وجه صيفتي
وإن أنـا لـم أفعـل فأنـت محكـم * * * بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي
فعجبت منه وضحكت عليه وانصرفت……
—-
2
طلب الشاعر ابن الرومي من صديق له أن يهديه ثوباً، فوعده به، ولكنه أبطأ في إنجاز وعده فقال يعاتبه:
جُعِلتُ فداك، لم أسألـ * * * كَ ذاك الثوب للكفـن
سألتكَـهُ لألبسـه *** وروحي بـعد فـي البـدن
—
3
الشاعر المصري الإمام العبد، اشتهر بسرعة خاطره ولباقة نكاته.
وكان له صديق يدعى الشعر اسمه محمود يمازحه أحيانا ويبالغ في المزاح حتى حدود الوقاحة أحيانا.
في إحدى السهرات العائلية قال هذا للشاعر الإمام العبد:
كلما رأيتك تذكرت قصيدة المتنبي والبيت الرائع فيها:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه * * * إن العبيد لأنجاس مناكيد
..اجاب الشاعر…لكن هذا البيت في القصيدة عينها اشد روعة وهو:
ما كنت احسبني أحيا الى زمن * * * يسيئني فيه كلب وهو محمود
—
4
نادرة من نوادر أحد الشعراء وسرعة بديهتهم، ألا وهو أمير الشعراء: أحمد شوقي:
حدث عندما كان شوقي منفيا فى أسبانيا أن استقل الأوتوبيس هو وابنه حسين ، فصعد رجل عملاق بادي الترف والثراء ، يعلق سلسلة ذهبية بصدره ، وفى فمه سيجار ضخم ، ثم ما لبث أن استسلم للنوم فى ركن من السيارة ، وراح يغط فى غطيطا مزعجا ، وصعد نشال شاب وسيم ، وهم أن يخطف السلسلة الذهبية ، ولكنه أدرك أن شوقي يراه ، أشار النشال إليه إشارة برأسه مؤداها : هل أخذها ؟. أجابه شوقي برأسه أيضا: خذها ، فنشلها الشاب ونزل. . .
ولم يكد الشاب يترك السيارة حتى التفت الابن إلى والده شوقي وقال: هل يصح أن تترك النشال يأخذ سلسلة الرجل وهو نائم ؟
أجاب شوقي: شئ عجيب يا بنى ! لو كنت مقسما للحظوظ فلمن كنت تعطى السلسلة الذهبية ؟ كنت تعطيها عملاقا دميما أم شابا جميلا؟ فقال الابن : كنت سأعطيها للشاب الجميل أجاب شوقي ببساطة : ها هو أخذها
—–
5
يُقال أن ابن الرومي الشاعر العباسي ادركه الصيام في شهر (اغسطس) فصام رمضان الا انه وصف معاناة الحر والعطش فقال :
شهر الصيام مبارك * * * (ما لم يكن في شهر آب!!)
الليل فـيـــــه ساعــــة * * * (ونهاره يوم الحساب)!
خفت العذاب فصمته * * * (فوقعت في نفس العذاب)!
—
6
دخل شاعر على رجل بخيل فامتقع وجه البخيل وظهر عليه القلق والاضطراب وظن ان الشاعر سيأكل من طعامه في ذلك اليوم والا فانه سيهجوه . غير ان الشاعر انتبه الى ما اصاب الرجل فترفق بحاله ولم يطعم من طعامه .. ومضى عنه وهو يقول :
تغير اذ دخلت عليه حتى * * * فطنت .. فقلت في عرض المقال
علي اليوم نذر من صيام * * * فأشرق وجهه مثل الهلال
—
ابن العميد علم ان قاضيا افطر خطأ في اول رمضان .. وصام خطأ ايضا في اول ايام عيد الفطر .. فقال فيه :
يا قاضيا .. بات اعمى *** عن الهلال السعيد
افطرت في رمضان *** وصمت في يوم عيد
* ومن ذلك قول (البحتري) وهو يمدح الخليفة ويهنئه بشهر الصوم وبعيد الفطر:
بالبر صمت وانت افضل صائم * * * وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بيوم الفطر عيدا .. انه * * * يوم اغر على الزمان مُشهر
ومنه قول احد الشعراء الظرفاء ممن يولعون بالطعام والشراب ولكن رمضان يمنعه منهما .. فراح ينتظر هلال شوال بفارغ الصبر :
قل لشهر الصيام انحلت جسمي * * * ان ميقاتنا طلوع الهلال
اجهد الآن كل جهدك فينا * * * سنرى ما يكون في شوال!
—
ذكر محمد بن أحمد الترمذي قال: كنت عند الزجاج أعزيه بأمه وعنده الخلق من الرؤساء
والكتاب إذ أقبل ابن الجصاص فدخل ضاحكاً وهو يقول:
الحمد لله قد سرني والله يا أبا إسحاق …
فدهش الزجاج ومن حضر وقيل له: يا هذا كيف سرك ما غمه وغمنا …..
فقال: ويحك بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها هي التي ماتت سرني ذلك.
فضحك الناس جميعاً.
دعي الدكتور شاكر الخوري الى غداء على مائدة الأمير سعيد الشهابي.
وكان مما قدم له كوسا محشي،
تناول منه أولا وثانيا وثالثا هو يحاول عبثا أن يجد لحما في الحساء،
فارتجل هذين البيتين:
قد قيل إن المستحيل ثلاثة * * * ألان رابعة أتت بمزيد
الغول والعنقاء والخل الوفي * * * واللحم في محشي الأمير سعيد
—
قال أبو العيناء ، وهو من الشعراء البغداديين الظرفاء : تعشقتني امرأة قبل أن تراني فلما رأتني استقبحتني
فأنشدتها :
وفاتنةٌ لمـــا رأتنـــي تنــكرت * * * وقالت دميمٌ أحول ٌ ما له جسم ُ
فإن تنكري مني احولالا فإنني * * * أديب أريب لا عييٌ ولا فدمُ
فقال المرأة : ياهذا ، أنا لم أردك لتولية ديوان الزمام بل…. عاشقا ..
—
قال الجاحظ: أنشدني بعض الحمقى:
إن داء الحب سقـمٌ * * * ليس يهـنيـه القـرار
ونجا مـن كان لا * * * يقشـق من تلك المخازي
فقلت : إن القافية الأولى راء والثانية زاي؟
فقال: لا تنقط شيئا…
فقلت: إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة؟؟
فقال: يا سبحان الله، نقول له لا تنقط، فيشـكّل…
—
لما تولّى الأمير والشاعر معن بن زائدة الإمارة دخل عليه أعرابي بلا استئذان من بين الذين قدموا لتهنئته وقال بين يدي معن:
أتذكر إذ لحافك جلد شاةٍ * * * وإذ نعلاك من جلد البعير ِ
فأجاب معن: نعم أذكر ذلك ولا أنساه … فقال الأعرابي:
فسبحان الذي أعطاك مُلكاً * * * وعلّمك الجلوس على السرير ِ
قال معن: سبحانه على كل حال وذاك بحمد الله لا بحمدك .. فقال الأعرابي:
فلستُ مُسَلّماً إن عِشتُ دهراً * * * على معن ٍ بتسليم الأمير ِ
قال: السلام سنة تأتي بها كيف شئت .. فقال:
أميرٌ يأكلُ الفولاذ سِـرّاً * * * ويُطعم ضيفه خبز الشعير ِ
قال: الزاد زادنا نأكل ما نشاء ونـطعم من نشاء .. فقال الأعرابي:
سأرحلُ عن بلادٍ أنتَ فيها * * * ولو جارَ الزمانُ على الفقير ِ
قال معن: إن جاورتنا فمرحباً بك وإن رحلت عنّا فمصحوب بالسلامة … قال:
فجد لي يا ابن ناقصة بشيءٍ * * * فإني قد عزمتُ على المسير ِ
قال: أعطوه ألفَ درهم …… فقال:
قليل ما أتيت به وإني * * * لأطمع منك بالمال الكثير ِ
قال: أعطوه ألفاً آخر.
فأخذ الأعرابي يمدحه بأربعة أبيات بعد ذلك وفي كل بيت مدح يقوله يعطيه من حوالي الأمير معن ألفاً من عندهم، فلما انتهى تقدم الأعرابي يقبل رأس معن بن زائدة وقال: ما جئتك والله إلا مختبراً حلمك لما اشتهر عنك، فألفيت فيك من الحلم ما لو قسّم على أهل الأرض لكفاهم جميعاً فقال:
سألت الله أن يبقيك ذخراً * * * فما لك في البرية من نظير ِ
قال معن: [1] أعطيناه على هجونا ألفين فأعطوه على مديحنا أربعة
—-
من طرائف الشعراء ما قاله الحسن بن زياد الرصافي يشكو حاله مع زوجه:
شكوت فقالت: كل هذا تبرما * * * بحبي أراح الله قلبك من حبي
فلما كتمت الحب قالت لشد ما * * * صبرت وما هذا بفعل شجي القلب
وأدنوا فتعصيني فابعد طالبا * * * رضاها فتعتد التباعد من ذنبي
وشكو أي تؤذيها وصبري يسؤوها * * * وتغضب من بعدي وتنفر من قربي
فقال بعض الظرفاء لما سمع هذه الشكوى لو حملت اليها شيئا من الذهب الاحمر والفضة البيضاء ما كان من هذا كله من شيء، قلت وبحبوحة العيش ولطف المعشر وتمام القوامة.
—
هذا الشاعر الشيخ عامر الابنوطي ذهب الى معارضة قصيدة الشاعر الطغرائي في قصيدته المعروفة باسم (لامية العجم) وفيها يقول الطغرائي:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل * * * وحلية الفضل زانتني لدى العطل.
فقال عامر الابنوطي معارضاً لها:
طناجر الضأن ترياق من العللِ * * * وأصحن الرز فيها منتهى أملي
أكلي غداء، وأكلي في العشاء على * * * حدٍّ سوا، إذا اللحم السمين قلي
فيمَ الإقامة في الأرياف لا شبعي * * * فيها ولا نزهتي فيها ولا جذلي
أريد كلاً نفيساً أستعين به * * * على العبادات والمطلوب من عملي
والدهر يفجع قلبي من مطاعمه * * بالعدس والكشك والبيصار والبصل
—
قال بشّار بن برد:
رأيت حماري البارحة في النوم ، فقلت له : ويلك لِمَ متَّ ؟
قال الحمار :
أنسيت أنَّكَ ركبتني يوم كذا وكذا وأنَّك مررتَ بي على باب( الأصبهاني) فرأيت أتاناً (حمارة) عند بابه فعشقتها ، حتى متُّ بها كمداً ؟
ثم أَنشدني(الحمار) :
سيِّـدي مَـل بعَناني *** نحوَ بابِ الأصْبَهـانـي
إنَّ بـالبـابِ أَتانـاً *** فضلـت كـلَّ أتـانِ
تيَّمتنـي يـومَ رِحـنْـا*** بثنـايـاهَـا الحِـسـانِ
وبغنـج ودلالٍ *** سـلَّ جسمِـي وبـرانِـي
ولَهَـا خـدٌّ أَسيـلُ * * مثـل خـدِّ الشيفـرانِ
فبهـا مِـتَ وَلَـو عِشـتُ * * إذاً طـال هـوانِـي !
فقال له رجل من القوم:
وما الشيفران يا ( أبا معاذ) ؟
قال بشار:
هذا من غريب الحمار ، فإذا لقيته لكم مرَّةً ثانية . سألتهُ ….
—
روي عن الشاعر المهجري القروي ما قاله بعد أن حلق شاربيه:
قالوا حلقت الشاربين * * * ويا ضياع الشاربين
الشاغلين المزعجين * * * الطالعين النازلين
ويلي إذا ما أرهفا * * * ذنبيهما كالعقربين
إن ينزلا لجما فمي * * * أو يطلعا التطما بعيني
—
وأحمد رامي هو بين هؤلاء الشعراء الظرفاء،
وقد كان يوماً في لبنان فدعاه الشاعر أمين نخلة يوماً إلى الغداء قائلاً: إنه أعد له طعاماً ممتعاً، ولم يكن هذا سوى طبق ضفادع، لا يحب رامي مذاقها، ويشاركه في النفور منها أهلنا في مصر،
فلم يقرب رامي الطعام وقال:
دعاني إلى «أكلة» ممتعة * * * وقال: سيطعمني ضفدعةْ
وكيف تكون الضفادع قوتاً * * * ومرقدها الليل في منقعةْ
تبيت مع الطين مطمورة * * * وتأكل أوضاره طيّعةْ
—
الأعرابي والخياط
أتى أحد الأعراب ومعه قماش إلى خياط كي يخيط له ثوباً، فلما أخذ الخياط مقاس الأعرابي أخذ يقطع من القماش كي يخيط له حينها غضب الأعرابي وقال له: لم قطعت القماش يا علج [2] العلج = الحمار فقال الخياط: لن تصلح الخياطة إلا بشق القماش ، وكان مع الأعرابي هراوة [3] عصا فشج رأس الخياط بواحدة فهرب الخياط من محله ولحقه الأعرابي وهو يقول:
مـا إن رأيـت ولا سـمـعـت بـمـثـلـه * * * فـيـمـا مـضـى فـي سـالـف الأحـقـابِ
مـن فـعـل ِ عـلـج ٍ جئـته ليخيط لي * * * ثـوبـاً فـخـرّقـه كـفـعـل ِ مُـصـابِ
فـعـلـوتـه بـهـراوةٍ كـانـت مـعـي * * * ضـربـاً فـولـى هـاربـاً لـلـبـابِ
أيـشـق ثـوبـي ثـم يـقـعـد آمـنـاً ؟!! * * * كـلاّ ومـنـزل سـورة الأحـزابِ
—
الشاعر العباسي: أبا دلامة، كان من الشعراء الساخرين، وكان يوهم الخلفاء أن أحلامه رؤيا تتحقق فقد دخل يوما على أحد الخلفاء وانشد قائلا:
إني رأيتك في المنام وأنت تعطيني خيارة * * * مملوءة بدراهم وعليك تأويل العبارة
فقال له الخليفة أمض وأحضر لي خيارة أملأها لك دراهم فمضى أبو دلامة وجاء بقرعة كبيرة واقسم للخليفة بالطلاق أن السوق لم تكن فيها سوى القرع فضحك الخليفة وملأ القرعة دراهم.