أبو القاسم الشابي

من هو أبو القاسم الشابي

هو أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي  (شاعر الخضراء) ، ولد في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين سنة 1909 في منطقة الجريد على مقربة من بلدة توزر التونسية ..

نشأته وحياته

  قضى الشيخ محمد الشابي  والد الشاعر حياته الوظيفية في القضاء بمختلف المدن التونسية وتقلد عدة مناصب فقد عُيّن قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس   ثم في مجاز الباب   ثم في رأس الجبل   ثم إنه نقل إلى بلدة زغوان  ومن الأرجح أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان،   ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929  .

كان الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي،  

 تخرج الشاعر أبو القاسم الشابي من جامع الزيتونة أعرق الجامعات العربية  وكان على علم أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.

في عام 1928 تزوج أبو القاسم تلبية لرغبة والده ، ورزق طفلين ، ليفجع بعدها بعام بوفاة والده ، الشيء الذي قلب حياته رأسا على عقب ، وبدت له ظلال التشاؤم واليأس تحيط بحياته ، إذ كان والده يوفر عليه كل ضروريات العيش ، وبما أنه الأكبر بين إخوته ، فقد تولى أبو القاسم رعايتهم ، متحملا أعباء المسؤولية بنفسه . هذه الصدمة خلفت ألما عميقا في نفس الشاعر  ، وانعكس ذلك في قوله :

يا موت قد مزقت صدري   *  وقصمت بالأرزاء ظهري

وفجعتني فيمن أحب  *  ومن إليه أبث سري

وأعدّه غابي ومحرابي *  وأغنيتي وفجري

ورزأتني في عمدتي  *  ومشورتي في كل أمري

يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة

لم يأتمر الشابي بنصيحة الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة، ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال.

يقول بإحدى يومياته الخميس وقد مر ببعض الضواحي: “ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنّى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية”.

وقد عولج الشابي عند الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ.

عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجدي الشابي نفعاً، فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة

غادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانة وكان ذلك في أيلول واريانة ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا: أداء السل هو أم مرض القلب؟.

خصائص شعره

بقيت قصائد الشابي الأولى، التي كُتبت بين عامي 1924 و1927، عادية إلى حد ما وموضوعاتها (النساء كمصدر للإلهام، والنبيذ، والمفاخرة، والتأبين، إلخ) شائعة إلى حد ما في هذه الفترة.

لم يجعل الشابي العاطفة تسود على العقل والخيال على العقل. في التحليل النقدي  تشير الكاتبة والشاعرة التونسية سلوى راشدي إلى اختلاف آخر بين الشابي والرومانسيين الأوروبيين: بالنسبة لهم، الرومانسية هي تيار مناهض للثورة، بينما بالنسبة للشابي، هي بالتحديد وسيلة للثورة ضد الشعراء العرب.

تأثر الشابي بكتاب المهجر ومن أهم شعرائهم جبران خليل جبران (الذي وصفه الشابي بـ “العبقري والفنان الخالد”) وإيليا أبو ماضي.

 استخدام الشابي للمصطلحات المتعلقة بهذا الدين، مثل هيكل (معبد)، وترانيم (جوقة أو ترانيم)، وتجديف، وأجراس، راهب)، قديس، إلخ. يشير المخ إلى أن الشابي قد تبنى مفاهيم وأفكارًا معينة تتعلق بهذا الدين، مثل تأليه المرأة، وتقديس الأمومة، وتمجيد الطفولة والمعاناة، إلخ. بالنسبة للمخ

نمت خبرات الشابي ومعرفته بفضل التواصل مع الأوساط الأكاديمية والفنانين من مجموعة تحت السور (“تحت الأسوار”) التي كان عضوًا  

المعاني الوطنية في شعر الشابي

لقد حمل الشابي في قلبه حب الوطن ومحاربة التخلف والجهل ، إذ أدرك جليا مدى خطورة الأفكار والسيطرة الاستعمارية على العقول وحشوها بكل ما يبقيها فقيرة جاهلة وجائعة ، فثار رغم آلامه ومرضه يزرع الحماس في قلوب المواطنين ، ويوقظ الضمائر المسلوبة الإرادة ، ويدعو بنهضة وثورة على الجهل والذل والظلم ، وقد عانى كثيرا أمام صدود غالبية الناس واستنكارهم لأفكاره ، يقول الشابي :

أيها الشعب ، ليتني كنت حطابا  *  فأهوي على الجذوع بفأسي

ليتني كنت كالسيول إذا سالت  *  تهدّ القبور رمسا برمس

ليت لي قوة العواصف يا شعبي  *  فألقي إليك ثورة نفسي

ليت لي قوة الأعاصير  لكن  *  أنت حي يقضي الحياة برمس !

وفي قصيدة ‘ تونس الجميلة ‘ يصور حياة التعسف والاضطهاد التي يعانيها مجتمعه ، فيقول :

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ  *  أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ

إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ  *  قد عَرانا ، ولم نجد من أزاحهُ

كلّما قامَ في البلادِ خطيب  *  مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ  *  فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ  *  سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ

أبو القاسم الشابي شاعر الوجدان والألم

من بين ثنايات حياة آملة يشوبها ألم يائس عاش الشابي حياة غلب عليها طابع التبرم والسخط والتشاؤم ، وإذا نظرنا إلى خط سير حياته والأحداث التي طالتها فستتضح لنا البوثقة التي جُمع فيها الخليط المكون لشخصية الشاعر ، فمن فقدان الوالد إلى هموم الوطن انتهاء بمرضه العضال والذي جعله ينشد الموت في كل لحظة وحين :

قد كنت في زمن الطفولة والسذاجة والطهور

أحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور

واليوم أحيا مرهق الأعصاب ، مشبوب الشعور

هذا مصيري يا بني أمي ، فما أشقى المصير !

والرومانسية في شعر الشابي وليدة ثورة وألم وأحزان ، مما ولد له شعورا بالتمرد وكسر القيود ، فهو إن كان يتفق مع شاعر التفاؤل إيليا أبو ماضي في نظرته إلى الحياة أنها زائلة وفانية ، إلا أنه يقف في مواجهة حقيقة الموت الحتمية بصمود وشجاعة ، وهو هنا يتأرجح بين إيمان راسخ تولد إثر تربيته الدينية الكبيرة ، وشك متذبذب فرضته تيارات العقلانية والفلسفة الأدبية الغربية ، ويقول في ذلك الأديب المؤرخ حنا الفاخوري :

‘ نظر الشابي إلى الوجود نظرة تشاؤم ، واصطرعت في نفسه نظريتان ، نظرية الإيمان ، ونظرية الشك  . وذلك أنه نشأ في بيت عامر بالتدين فامتلأت روحه ، وامتلأ قلبه وكيانه بعبق الروح وبنعمة الإيمان ، وتناهت إليه تيارات العقلانية التي عصفت بفرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، والتي زعزعت إيمان الكثيرين ، ثم تراكمت في حياته النكبات والآلام التي قدمت له سوانح للتساؤل في موضوع الماورائيات ، وكاد يضطرب إيمانه أحيانا ، ولكنه تغلب على الشك بما في أعماقه من عقيدة راسخة ‘ .

خبّروني هل للورى من إله راحم – مثل زعمهم – أواه !

إنني لم أجده في هاته الدنيا فهل خلف أفقها من إله ؟

لكن سرعان ما يتدارك الشاعر شكه بيقين راسخ فيقول :

ما الذي قد أتيت ، ياقلبي الباكي ، وماذا قد قلته ، ياشفاهي ؟

أبو القاسم الشابي شاعر الإنسانية

بالرغم من كل آلام الشابي وتمرده وسخطه ، إلا أن قلبه كان يحمل بذرة مليئة بالخير والحب والأمل ، إذ كان يحلم بعالم يسوده السلام ، ولا يعيش فيه الإنسان شقاء وحروبا .

فما المجد في أن تسكر الأرض بالدّما  *  وتركب في هيجائها فرسا نهدا

ولكنه في أن تصد بهمة  * عن العالم المرزوء ، فيض الأسى

وينظر لأحوال الناس وما يعانونه من مآسي ويدعو لمشاركتهم آلامهم :

يا رفيقي ! أما تفكرت في الناس ، وما يحملون من آلام ؟

كم بقلب الظلام من أنة   *  تهفوا بغصات صبية أيتام

فإذا سرّني من الفجر نور  *  ساءني ما يُسرّ قلب الظلام

وينادي طائر الشعر أن يخفف عن أصحاب القلوب الكئيبة أحزانهم وآلامهم :

يا طائر الشعر ! روّح على الحياة الكئيبة

وامسح بريشك دمع القلوب فهي غريبة

وعزها عن أساها فقد دهتها المصيبة

مؤلفات الشابي

بالرغم من أن الشابي مات وهو في ريعان شبابه إلا أنه خلّف عددا كبيرا من  الآثار الأدبية ما مجموعه 132 قصيدة ومقالة نشرت في مجلات مختلفة  في كل من مصر وتونس والتي تنمّ عن عبقرية فذة تفوق فيها الشاعر وبقوة على أقرانه من الأدباء والشعراء ، ويمكن تقسيم قصائد و مؤلفات الشابي إلى :

1 – آثار مطبوعة :

– أغاني الحياة : وهو ديوان مهم اعتنى الشاعر بترتيب قصائده وتنقيحها .

– الخيال الشعري عند العرب : محاضرة ألقاها الشابي في القاعة الخلدونية بدعوة من النادي الأدبي لجمعية قدماء متخرجي مدرسة الصادقية .

– يوميات الشابي : وهي مذكرات نشرت في الدوريات والمجلات قبل موته وبعده .

2 – آثار مخطوطة :

– جميل بثينة ( قصة ) .

– المقبرة ( رواية ) .

– السكّير ( مسرحية ) .

– مجموعة من الرسائل .

– مذكرات الشابي .

– صفحات دامية ( قصة ) .

قالو عنه

يذكره الشاعر العراقي المعروف فالح الحجية في كتابه شعراء النهضة العربية فيقول فيه (فهو شاعر وجداني وهو برغم صغر سنه شاعر مجيد مكثر يمتاز شعره بالرومانسية فهو صاحب لفظة سهلة قريبة من القلوب وعبارة بلاغية رائعة يصوغها بأسلوب أو قالب شعري جميل فهو بطبيعته يرنو إلى النفس الإنسانية وخوالجها الفياضة من خلال توسيعه لدائرة الشعر وتوليد ومسايرة نفسيته الشبابية في شعر جميل وابتكار أفضل للمواضيع المختلفة بحيث جاءت قصيدته ناضجة مؤثرة في النفس خارجة من قلب معني بها ملهما إياها كل معاني التأثر النفسي بما حوله من حالة طبيعية مستنتجا النزعة الإنسانية العالية لذا جاء شعره متأثرا بالعالمين النفسي والخارجي). [1]ويكيبديا

حتى القرن الحادي والعشرين، ظل الشابي واحدًا من أكثر الشعراء العرب قراءة على نطاق واسع للمتحدثين باللغة العربية. وهو أيضًا أشهر شاعر تونسي في العالم العربي  ، ومن أعظم الشعراء العرب في القرن العشرين 

 تكريما له  وضعت صورة الشابي على أربعة من طوابع البريد التونسي وكذلك على عملة من فئة دينار الصادرة في 7 نوفمبر 1997 من قبل البنك المركزي التونسي  ثم فئة عشرة دينار صادرة في 28 نوفمبر 2013. وأخيرا، الشوارع، المربعات، والمدرسة الثانوية في القصرين وقاعة القصر الرئاسي في قرطاج تحمل اسمه.

في 24 أكتوبر عام 2010، فاز الفيلم التونسي أبو القاسم الشابي، شاعر الحب والحرية (2009) في سباق الجائزة الكبرى لمهرجان خريبكا  السينمائي الدولي. وهو فيلم وثائقي لمدة أربعين دقيقة من إخراج وإنتاج هاجر بن نصر وفاز أيضًا بجائزة لجنة تحكيم نور الدين كاشتي للنقد.

نماذج من شعر الشابي

إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ            فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ

ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي                وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ            تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر

فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ              مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر

كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ               وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر

 —

حماة الحمى يا حماة الحمى           هلموا هلموا لمجد الزمن

لقد صرخت في عروقنا الدماء        نموت نموت ويحيا الوطن

لتدو السماوات برعدها                لترم الصواعق نيرانها

إلى عز تونس إلى مجدها             رجال البلاد وشبانها

فلا عاش في تونس من خانها         ولا عاش من ليس من جندها

نموت ونحيا على عهدها              حياة الكرام وموت العظام

ورثنا السواعد بين الأمم               صخورا صخورا كهذا البناء

سواعد يهتز فوقها العلم                نباهي به ويباهي بنا

—-

ألا أيها الظالم المستبد          حبيب الظلام عدو الحياة

سخرت بأنات شعب ضعيف           و كفك مخضوبة من دماه

و سرت تشوه سحر الوجود           وتبذر شوك الأسى في رباه

* * * * * * *         * * * * * * *

رويدك لا يخدعنك الربيع             وصحو الفضاء وضوءالصباح

ففي الافق الرحب هول الظلام         و قصف الرعود وعصف الرياح

حذار فتحت الرماد اللهيب             و من يبذر الشوك يجن الجراح

وفاته

أعيا المرض أبو القاسم الشابي الشابي، فدخل “مستشفى الطليان” في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب أو القلاب.

توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353 هـ.

نقل بتصرف

المصادر والمراجع والتعريفات

المصادر والمراجع والتعريفات
1 ويكيبديا
 أبو القاسم الشابي

اقرأ في الموقع