تجد في هذه المقالة:
مواقف تاريخية للسلف الصالح في رمضان
السلف الصالح
إنّ السلف هم سلفُ أمّة الإسلام من السابقين إلى الإسلام من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتابعيهم وتابعي تابعيهم من الأئمّة المشهود لهم بالفضل والإمامة واتّباع سنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال -تعالى- في سورة التوبة: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}
وأثنى عليهم -صلّى الله عليه وسلّم- إذ قال: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”، وفي رواية: “خيرُ النَّاسِ قَرْني ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم”، فهم إذًا المئات الثلاث أو الأربع الأولى من تاريخ الإسلام
مواقف تاريخية للسلف الصالح في رمضان
مواقف مع صلاة التراويح
كانت التراويح في بدايتها في حياة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- تُصلّى جماعة، ثمّ خشي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أن تُفرض على المسلمين فيعجزوا عنها فأمرهم أن يصلّوها في بيوتهم، وما زالت الحال على ما هي عليه إلى أن توفّى الله -تعالى- رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم،
فلمّا كان عهد خلافة عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- جمع الناس في صلاة التراويح لصلاة الجماعة وجعل الإمام عليهم أُبيّ بن كعب،
روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن القاري أنّه قال: “خَرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ الله عنْه- لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فيُصَلِّي بصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ علَى قَارِئٍ واحِدٍ لَكانَ أمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمعهُمْ علَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معهُ لَيْلَةً أُخْرَى، والنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه، والَّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وكانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَهُ”؛ ذلك أنّ عمر -رضي الله عنه- لما أمِنَ أنّ هذه الصلاة لن تُفرض أمر بأن تُصلّى جماعة.
مواقف في رمضان مع قيام الليل
كان للصحابة والتابعين وتابعيهم وغيرهم من السلف الصالح العديد من المواقف التاريخيّة في رمضان التي تُخطّ بماء الذّهب لشدّة ما يلقى فيها المؤمن من ورع واضح وتقوى لله -تعالى- في السر قبل العلن،
فيروي أبو عثمان النهدي أنّ أبا هريرة وخادمه وامرأته -رضي الله عنهم- كانوا يقسمون الليل ثلاثة أقسام للقيام؛ فكلّما أراد واحد منهم أن ينام أيقظ صاحبه فقام حتى ينقضي الثلث الذي يقوم فيه،
أمّا شدّاد بن أوس -رضي الله عنه- فقد كان إذا أوى إلى فراشه لم يستطع النوم وكان يقول: “اللهم إنّ جهنم لا تدعني أنام”، فكان يقوم فيصلّي،
كان طاوس يقول: “طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين”، وروي عن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أنّه قال: “كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر”،
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه كان يقوم الليل في بيته، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوة ماء وقصد مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فلا يخرج منه حتى يصلي الفجر، وقيام الليل هو ديدن الصالحين ودأبهم منذ فجر الإسلام؛ إذ فيه يناجون ربّهم بعد أن يهجع الناس ويرقدون ولا يبقى إلّا من اصطفاه الله -تعالى- لهذه العبادة العظيمة،
مواقف في رمضان مع الجود والكرم
الحديث الذي يرويه ابن عباس -رضي الله عنهما- والذي يقول فيه: “كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وَكانَ أَجْوَدَ ما يَكونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ. إنَّ جِبْرِيلَ -عليه السَّلَامُ- كانَ يَلْقَاهُ في كُلِّ سَنَةٍ في رَمَضَانَ حتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عليه رَسولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ- القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”
فإذًا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك، وحسب المؤمن هذا الحديث لكي يفتح العنان ليديه، ويذر كرمه يصل إلى أقصاه في هذا الشهر المبارك، وقد كان أولى الناس بالاقتداء برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هم صحابته الكرام رضوان الله عليهم؛
فقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه كان لا يفطر إلّا مع المساكين، وكان إذا جاء إليه مسكين وهو يأكل مع أهله فقام إليه وأعطاه طعامه وبات جائعًا ويصوم في اليوم التالي وهو جائع، وكان حمّاد بن أبي سليمان إذا جاء رمضان فإنّه يفطّر خمسمئة صائم، وإذا جاء العيد أعطى كلّ واحد منهم مئة درهم،
وجاء سائل إلى الإمام أحمد في يوم رمضان عند الإفطار وكان عند الإمام رغيفين يعدّهما للإفطار، فدفعهما إليه وأمسى جائعًا وأصبح صائمًا، وكان الإمام الحسن البصري يطعم إخوانه تطوّعًا وكان يجلس يروّحهم وهم يأكلون، وأمّا ابن المبارك عبد الله فقد كان يطعم إخوانه في السفر الحلوى وهو صائم
مواقف في رمضان مع حفظ اللسان والأخلاق الحسنة
ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: “إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً”، وهذا ليس غريبًا عمّن تربّى في مدرسة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
روي عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضي الله عنه- أنّه قال لرجلٍ اسمه طليق: “إِذَا صُمْتَ فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ”، فكان طليق هذا لا يخرج من بيته وهو صائم إلّا للصّلاة، وهذا كلّه نابع عن صدق في العزيمة وصدق في الأخذ عمّن درس على يدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذين هم خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مواقف في رمضان مع الاجتهاد في العشر الأواخر
تروي أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم كان “إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ”،
وقد قال بعض العلماء إنّ المقصود بشدّ المئزر التّشمير للعبادات واعتزال النساء، وعن أمّ المؤمنين عائشة كذلك أنّه “كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى الله عليه وسلَّمَ- يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ”،
ولعلّ ذلك الاجتهاد في تلك الأيّام راجع لأنّ ليلة القدر قد أخفيت في هذه الأيّام العشر، فكان الصحابة ومن جاء بعدهم يسيرون على نهجه في هذه الأيّام، فقد كان عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- يصلّي في الليل في تلك الأيّام ما شاء الله له، ثمّ يوقظ أهله وهو يتلو: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}،
وكانت امرأة أحد الصالحين تقول: “قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا”، ويستحبّ للمرء أن يوقظ أهله لقيام الليل للحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى، ثمَّ أيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ، ورحمَ الله امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فصلَّت، ثمَّ أيقَظَت زوجَها فصلَّى، فإن أبى نضحَت في وجهِهِ الماءَ”،
حال السلف مع القرآن في رمضان
ذهب السلف الصالح -رضوان الله عليهم- إلى الإكثار من قراءة القرآن في رمضان اقتداءً بسيّد السلف والخلف وسيّد ولد آدم على الإطلاق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يعارضه جبريل بالقرآن في كلّ عام مرّة وهي في رمضان، فسار الصحابة ومن تبعهم من التابعين وتابعيهم على هذا النهج،
الإمام مالك إمام دار الهجرة في رمضان كان يُغلق كتبه ويمتنع عن الفتيا ويُقبل على قراءة القرآن من المصحف
كذلك كان الإمام الشافعي إذا جاء رمضان فإنّه يختم القرآن في كلّ يوم مرّتين؛ أي: ستّين مرّة في رمضان
وكان الإمام أحمد بن حنبل يختم القرآن في رمضان ختمتين في الأسبوع، وفي غير رمضان كان يختمه مرّة كلّ أسبوع،
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كلّ ليلتين
وأمّا الأمام البخاري فقد كان يختم القرآن في نهار رمضان كلّ يوم ختمة، ويقوم في الليل بعد التراويح بختمة كل ثلاث ليال