دورات ألعاب أولمبية كادت تتسبب بإفلاس الدول والمدن المستضيفة
قيمة الألعاب الأولمبية إضافة إلى تجمع نخبة الرياضيين في شتى مجالات الرياضة ، فهي تمنح فرصة للدول المستضيفة كي تبرز على الساحة العالمية. بإمكان الاستغلال الناجح للألعاب الأولمبية أن يؤدي إلى ازدهار السياحة والعائدات المالية بعد انتهاء الاحتفالات.
لكن استضافة الألعاب الأولمبية تنطوي على مخاطر مالية، حيث ترفع الدول طلبها قبل مدة طويلة من وقوع الحدث. ثم تتنافس الدول مع بعضها لاستضافة تلك الألعاب، وتشمل مجالات المنافسة المدن الآمنة ووسائل النقل المريحة والبنية التحتية الملائمة. الاستعداد لاستضافة الألعاب ليس بالأمر السهل، خاصة من الناحية الاقتصادية، فمثلاً، أنفقت مدينة شيكاغو الأمريكية نحو 100 مليون دولار من أجل استضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2016، لكنها خسرت المنافسة وذهبت جهودها سدى.
مدن وصلت الى حد الإفلاس لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية
1. دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1896 في أثينا
استضافت المدينة اليونانية أثينا أول دورة للألعاب الأولمبية في العصر الحديث في شهر أبريل من عام 1896، وكاد هذا الأمر أن يتسبب بأزمة مالية مروعة، حيث كانت البلاد تعاني أساساً من الإفلاس عندما قررت الاشتراك في المنافسة، لكن العائلة الملكية التي كانت تحكم حينها ارتأت أن استضافة الألعاب الأولمبية ستزيد من شعبيتها. بالمناسبة، كانت العائلة الملكية الحاكمة من أصول دنماركية، أحد أفرع آل غلوكسبورغ.
عند انطلاق الدورة، قدر القائمون على تنظيمها بلوغ التكاليف والنفقات نحو 585 ألف دراخما (نحو 74 ألف دولار في عام 1896)، لكن التكلفة الحقيقية وصلت إلى 3 مليون و740 ألف دراخما، ما يعادل 448 ألف دولار حينها. صُرفت معظم تلك الأموال على إعادة ترميم ملعب أثينا القديم.
لحسن الحظ، تبرع أحد رجال الأعمال اليونانيين الأثرياء بمليون دراخما لتغطية النفقات. وعند انطلاق الألعاب، ساهمت المحال التي تبيع تذكارات وأعمالٍ يونانية في جلب بعض الأرباح.
2. دورة الألعاب الصيفية عام 1924 في باريس
كانت بدايات الألعاب الأولمبية متواضعة، حيث كان عدد الدول المشاركة قليلاً والحضور ضعيف، لكنها تطورت كثيراً في عام 1924، حينها استضاف العاصمة الفرنسية باريس 44 دولة مشاركة في هذا الحدث العالمي، كما تدفق الناس إلى العاصمة ليشاهدوا الحدث، ووفق أحد المصادر، زار العاصمة نحو 60 ألف شخص يومياً.
بدت تلك الدورة مربحة جداً لفرنسا وكانت الأمور تجري على ما يرام، لكن يبدو أن الحكومة الفرنسية لم تعر اهتماماً كافياً للمخاطر المالية المرافقة لهكذا حدث ضخم.
كانت تكلفة التحضيرات والتجهيزات مرتفعة جداً، وبينما توقع الفرنسيون أن تبلغ إيرادات الحدث نحو 10 مليون فرنك فرنسي، لكنها حصلت على نصف المبلغ المتوقع.
3. دورة الألعاب الصيفية لعام 1976 في مونتريال
قبل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في مونتريال عام 1976، قال عمدة المدينة: ”إن إنجاب طفل والنفقات المصاحبة لولادته تسبب عجزاً في الميزانية أكثر من الألعاب الأولمبية“، وللأسف كان العمدة مخطئاً بشدة. فعُرفت دورة مونتريال بكونها الدورة التي أودت إلى خسارات مالية مهولة، وهي التي دفعت بالمدن الأخرى لاحقاً إلى التفكير بشكل جديّ قبل طلب استضاف دورة ألعاب أولمبية.
خُصصت ميزانية نحو 110 مليون دولار أمريكي لاستضافة دورة الألعاب، لكن أعمال البناء وحدها أحدثت عجزاً قدره 922 مليون دولار كندي، وطغى هذا العجز على ضريبة التبع الخاصة التي كان من المفترض أن تموّل معظم هذا الدين.
أُنفقت ملايين الدولارات الأخرى على تطوير وتحديث الملاعب والأسقف القابلة للطي (التي لم تعمل وفق ما خطط له بالمناسبة). لم تتمكن مونتريال من سداد ديونها حتى عام 2006، أي بعد مرور 30 عام، وبحلول تلك الفترة، دفعت مونتريال مبالغ إضافية جراء الفوائد على الديون مقدرة بـ 3 مليار دولار كندي. وفوق كل ذلك، لم تفز كندا، البلد المستضيف، بأي ميدالية ذهبية في دورة الألعاب تلك.
4. دورة الألعاب الشتوية لعام 1992 في ألبرتفيل، فرنسا
قررت بلدة ألبرتفيل في فرنسا تعزيز السياحة عن طريق استضافة الألعاب الأولمبية في دورتها الشتوية لعام 1992، وارتأت الحكومة الفرنسية إقامة دورة الألعاب ضمن 13 بلدة مجاورة لأبرتفيل قرب جبال الألب، فأنفقت نحو مليار دولار لتحسين البنية التحتية في هذه البلدات الصغيرة، وبهذا يتسنى للرياضيين المشاركين التنقل بين البلدات الممتدة على مساحة 620 كلم مربع، والتي عُقد فيها 57 حدثاً رياضياً ضمن دورة الألعاب تلك. في حين عُقد في ألبرتفيل مراسم افتتاح الدورة وختامها وبعض مباريات التزلج.
أنفقت الحكومة نحو 189 مليون دولار كأموال إضافة لتحسين المنشآت الرياضية. استطاعت بعض البلدات المشاركة جذب السياح بفضل أنظمة النقل المتطورة، خلال دورة الألعاب أو السنوات التي تلتها، لكن ألبرتفيل لم تشهد هذا الازدهار السياحي المرجو. وبذلك، خسرت الحكومة الفرنسية أكثر بكثير مما ربحت، نحو 67 مليون دولار، وأصبحت مديونة لعقود من الزمن..
5. دورة الألعاب الشتوية لعام 1998 في ناغانو، اليابان
أنفقت مدينة ناغانو اليابانية، التي لا يزيد عدد سكانها عن 378 ألف نسمة، نحو 10.5 مليار دولار للتحضير من أجل استضافة دورة الألعاب الأولمبية. أحد الأسباب وراء هذا المبلغ الضخم هو شبكة القطارات فائقة السرعة التي بنتها اليابان لنقل الحضور من طوكيو إلى ناغانو خلال 90 دقيقة، أي نصف الوقت المستغرق لقطع المسافة بالقطار العادي. لكن كان لشبكة القطارات فائقة السرعة، أو ”شينكانسن“ كما تُسمى باليابانية، أثر سلبي، فبات السياح يحجزون غرفاً في فنادق طوكيو بدلاً من فنادق ناغانو، ما أكسب دورة الألعاب تلك لقباً طريفاً، وهو «دورة ألعاب المسافرين اليوميين».
لا يمكن تحديد التكاليف الكلية بشكل دقيق، خاصة أن اللجنة المسؤولة في ناغانو منحت أعضاء لجنة الألعاب الأولمبية تذاكر سفر من الدرجة الأولى وحجوزات في فنادق فخمة، ناهيك عن الأموال الكبيرة المدفوعة من أجل التسلية والترفيه. وبينما يصر منظمو الألعاب في ناغانو على أن المبلغ هو 18 مليون دولار، تقول أرقام أخرى أن المبلغ يُقدر بنحو 66 مليون دولار.
6. دورة الألعاب الصيفية لعام 2000 في سيدني، أستراليا
يعلم معظم الأستراليين اليوم أن استضافة الألعاب الأولمبية لعام 2000 كان مقترحاً ذا تكلفة باهظة جداً، ويرى الكثير من الناس أن الفائدة الوحيدة التي جنتها البلاد –وهي السياحة وتعزيزها على المدى الطويل– لا تقارن بالمخاطر المالية. شاهد ملايين الناس مراسم الافتتاح لدورة الألعاب تلك التي كلفت البلاد نحو 3.8 مليار دولار، مبلغ دفع المواطنون الأستراليون ثلثه عبر الضرائب.
لكن خلال سير دورة الألعاب، لوحظ أن عدد السياح قليل جداً. اعتبرت الدورة ناجحة بكل المقاييس، لكن كان من المفترض أن يزور سيدني نحو 132 ألف سائح خلال الأيام الـ 17 للحدث، وهذا ما لم يتحقق، بل زار البلاد 97 ألف شخصٍ فقط. أما السياح الذين لم يكونوا مهتمين بدورة الألعاب، فإما أجلوا زيارتهم أو ألغوها خوفاً من الحشود الضخمة ورغبة في تجنبها.
توقع المسؤولون أيضاً وصول عدد السياح إلى 8 أو 10 مليون سائح بعد استضافة الحدث، لكن هذا أيضاً لم يتحقق، فبلغ عدد السياح رقماً شبه ثابتٍ على مر السنوات، وهو يُقدر بنحو 2.5 مليون سائح سنوياً
7. دورة الألعاب الصيفية لعام 2004 في أثينا
استضافت أثينا دورة الألعاب مرة ثانية بعد قرن من استضافتها الأولى، وكانت العواقب المادية أكبر بكثير هذه المرة. قدرت السلطات الرسمية تكلفة الحدث بـ 4.6 مليار دولار، لكن الرقم بلغ على أرض الواقع 15 مليار دولار، حيث بنت أثينا مجمعات رياضية مخصصة لهذا الحدث، ومركز كرة الشاطئ ومركز كرة المضرب الأولمبيين.
بعد انتهاء الحدث الرياضي، لم تُستخدم معظم تلك المنشآت. في عام 2012، شاهدت إحدى المراسلات الصحفيات مجموعة من الأشخاص يهرولون في مجمع الرياضات الأولمبية وسط الغبار المتطاير والبوابات الحديدية الصدئة والمغلقة. أُغلقت معظم منشآت المجمع، وفوق ذلك، علمت أن مطعماً افتتح هناك سابقاً لخدمة الرياضيين والسياح، لكنه لم يعمل سوى مرة واحدة، حيث زاره رئيس الوزراء اليوناني، حتى أن معدات المطبخ والكراسي ما تزال معروضة داخل هذا المطعم.
استطاعت اليونان تمويل هذا الحدث باستخدام ميزانية الاستثمار العام، وهي خطوة اعتمدت على دافعي الضرائب اليونانيين. يقول بعض الناس أن تكاليف الأولمبياد إحدى الأسباب التي أشعلت شرارة أزمة اليونان الاقتصادية عام 2009، بالإضافة إلى أسباب أخرى بلا شك.
8. دورة الألعاب الشتوية لعام 2010 في فانكوفر، كندا
لم تسر الأمور على ما يرام في دورة الألعاب تلك، فمثلاً، اضطرت المدينة إلى التدخل مادياً بعدما أنفق المسؤولون عن قرية الألعاب الأولمبية معظم أموالهم. لكن في نهاية المطاف، استطاع الكنديون الفوز بـ 14 ميدالية ذهبية، من بينها الكأس المقدس الكندي، أو الميدالية الذهبية في رياضة الهوكي على الجليد. أما بعد انتهاء الاحتفاليات، وجدت فانكوفر نفسها في ورطة مالية.
بلغ دين فانكوفر نحو مليار دولار، من بينها 730 مليون دولار دفعتها المدينة لسداد ديون القرية الأولمبية. لاسترداد جزء من تلك التكاليف، أطلقت فانكوفر حملةً دعائية للتسويق للقرية الأولمبية على أنها مكان سكني صديق للبيئة، آملة بإقناع المشترين والباحثين عن عقارٍ بالتوجه إلى هناك وشراء عقارات بات معظمها فارغ بعد الحدث الأولمبي. بالطبع، لم تكن تلك خطة ناجحة.
كانت عمليات بيع المباني الفخمة البالغ عددها 16 في القرية الأولمبية عملية طويلة لم تجلب المال بسرعة، بل انتهى بها الأمر إلى التفتيش القضائي وبُيع المجمّع بأكمله إلى شركة «إرنست آند يونغ»، وهي الشركة التي باتت مسؤولة عن استرجاع أكبر قدر ممكن من الديون. وحتى مع ذلك، من غير المتوقع أن تتعافى المدينة ودائنوها من هذه الخسارات.