معنى آية: سماعون للكذب أكالون للسحت

سورة المائدة

واحدةٌ من السُّور المدنيَّة -التي نزلت في المدينة المنورة- ويبلغ عدد آياتها 120 آية، وهي السُّورة الخامسة من حيث ترتيب السور في القرآن الكريم، وقد نزلت سورة المائدة بعد سورة الفتح، وتُعد واحدةً من السَّبع الطِّوال،

  ومن بين الآيات التي ذُكرت في سورة المائدة قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}،

سبب نزول الآية

وقف أهل التفسير والتأويل على سبب نزول تلك الآية فقال بعضهم إنَّها نزلت في جماعةٍ من اليهود قتلوا رجلًا، وقالوا لنذهب إلى محمد فنسأله عن الحكم، فإن أفتى بالدِّية قبلنا حكمه وإن أفتى بالقصاص فلا نسمع منه

 وقال مفسرون آخرون إنَّ السبب في نزول تلك الآية هو أنَّ رجلًا وامرأةً يهوديَّان أقدما على الزِّنا، والحُكم في التوراة مثل الحكم في القرآن على الزَّاني المحصن أن يُرجم حدَّ الموت، فأرادوا أن يُبدِّلوا حكم الله فغيروا من الحكم رجمًا إلى الجلد والتَّحميم والركوب على الحمار بشكلٍ مقلوب، وأراد اليهود أن يُؤيدوا كذبهم بكلامٍ من النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: نذهب ونحتكم إليه، فإن أفتى بالجلد والتحميم قبلنا منه، وإن أفتى بالرَّجم لا نأخذ منه، فتكون فتيته -عليه الصلاة والسلام- حجةً لنا أمام الله تعالى

 وقد ورد في ذلك عن جابر بن عبد الله أنَّه “جاءت اليهودُ برجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا قال: ائتوني بأعلَمِ رجلَيْن منكم فأتَوْه بابنَيْ صوريَّا فنشدهما كيف تجِدان أمرَ هذَيْن في التَّوراةِ؟ قالا: نجِدُ في التَّوراةِ إذا شهِد أربعةً: أنَّهم رأَوْا ذكَرَه في فرْجِها مثلَ الميْلِ في المُكحُلةِ رُجِما، قال: فما يمنعُكما أن ترجموهما؟

 قالا: ذهب سلطانُنا، فكرِهنا القتلَ فدعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالشُّهودِ ، فجاءوا بأربعةٍ فشهِدوا أنَّهم رأَوْا ذكرَه في فرْجِها مثلَ الميْلِ في المُكحُلةِ، فأمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برجمِهما”

 تفسير الآية

ومعنى كلمة سمَّاعون للكذب أي متفاعلون معه ومستجيبون له.

وأمَّا السُّحت فهو كلُّ ما ذكره الله -تعالى- من أكل الربا وغيرها من المحرمات، وقد أمر الله تعالى نبيه -عليه الصلاة والسلام- أن يحكم بين النَّاس بالقسط والعدل، سواءٌ كانوا يهودًا أم نصارى أم غيرهم من الكفار؛ وذلك عملًا بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ}،

 وذلك ما يجب أن يفعله القاضي أو الحاكم إذا ما تنازعوا وجاؤوا يحتكمون إليه،

وقال بعض أهل التفسير والتأويل إنَّ الآية نزلت في كعب بن الأشرف ومن مثله ممن لا يحكمون إلا لمن يرشيهم، فكان الرَّجل يضع الرَّشوة في كُمِّه فيُريها لهم، فإذا ما رأوها حكموا له وانحازوا لتنفيذ مطلبه دون النَّظر في رأي الخصم أو كلامه، وأمَّا السُّحت فتُطلق على الرَّشوة في الحُكم كما ذهب كلٌّ من قتادة والضحاك وغيرهما، وقال آخرون في السُّحت أنَّه كل كسبٍ حرام لم يحله الله.

وقال أبو جعفر في تفسير قوله تعالى سمَّاعون للكذب أكالون للسحت؛ أي أولئك اليهود الذين يسمعون الكلام الباطل ويتناقلونه فيما بينهم، مثل قولهم إنَّ محمد ليس بنبي وهو كاذب، أو قولهم إنَّ حدَّ الزاني المُحصن -كما ورد في التوراة- هو الجلد والتحميم، ويحكمون بالرّشوة ويأكلونها ويخالفون أوامر الله ولا ينتهون عما نهى

وقال في ذلك الحسن أنَّ تلك الآية للحُكَّام الذين يقبلون الرشوة فيأكلونها ويسمعون الكذب ويتناقلونه، وقد ذهب أكثر أهل التفسير في معنى السُّحت أي الرَّشوة، وقال عبد الله في معنى السحت إنَّه الرَّشوة في الدِّين، وقال عمر السُّحت هو الرَّشوة وهو مهر المرأة الزَّانية وبذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه، والسُّحت هو المُقابل الذي يقبل به الرَّجل إن تشفع لآخر في حاجةٍ له.

معاني المفردات في آية: سماعون للكذب أكالون للسحت

•  سماعون: السَّمع هو إدراك الأصوات بالأذن، والسمع هو حاسة من حواس الإنسان، وسماع الأخبار هو تلقيها والعلم بها، ويُقال هذا الرَّجل سمع الله دعاؤه أي استجاب لدعائه.

•  للكذب: الكذب في اللغة هو القول المُخالف للحقيقة مع إدراكها والعلم بها، وهو عكس الصِّدق.

•  أكالون: تتعدد المعاني الخاصَّة بكلمة “أكل” حسب السِّياق الذي أتت به، فالأكل بمعناه المُتداول هو الطَّعام وأَكَلَ بمعنى تناول، وأمَّا أكل المال فهو أخذه وصرفه، ويُقال أكلت النَّار المحصول أي دمرته وأتت عليه كاملًا.

•  للسحت: السُّحت في اللغة هو الخبيث من المال وما كان قبيحًا غير مستحبٍّ مثل الربا أو الرشوة، وتُستدم كلمة سُحت للمفرد والجمع منها أسحات.

 ماذا نستفيد من الآية

•  إنَّ العدل مطلوبٌ من المؤمن مع جميع المخلوقات ومع المؤمنين وغير المؤمنين، فكما أنَّ الله عادلٌ مع خلقه لا بدَّ للمسلم أن يتحلَّى بالعدل حتى مع أبغض النَّاس إليه، وذلك من شأنه أن يُرغِّب غير المسلمين باتباع ذلك الدِّين الذي يأمر المرء أن يكون عادلًا حتى مع أعدائه.

•  نهى الله تعالى في غير موضع من القرآن الكريم عن أكل أموال النَّاس بالباطل وبدون وجهٍ حقٍّ ومن ذلك التَّعامل بالربا بين النَّاس أو بالرشوة وهو ما حرَّمه الله تعالى ونبيه الكريم في غير حديثٍ من الأحاديث النبوية، قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،

•  الرشوة هي أساس الفساد في المجتمعات، ولا بدَّ لذلك الدِّين القويم من مكافحتها حتى يعمَّ السلام على هذه الأرض، هو أعلى أعلم

معنى آية: سماعون للكذب أكالون للسحت
  • views
  • تم النشر في:

    أحكام وتعاليم اسلامية

  • آخر تعديل:
  • قم بنسخ الرابط المختصر أدناه من زر النسخ لمشاركته:

    https://gnram.com/?p=10813

اقرأ في الموقع